تعد رحلة ابن فضلان واحدة من أهم الرحلات العربية الكبرى، التي انطلقت في القرن العاشر الميلادي، وقد انطلقت هذه الرحلة بأمر من الخليفة العباسي للوصول إلى ملك الصقالبة وتمثيل الخليفة. ولكن ابن فضلان لم يكتف بمهمته الرسمية، بل قام بتوثيق رحلته بشكل أدبي ثقافي، حيث وثق تجاربه ومشاهداته في أوروبا والشعوب التي قابلها على طول الرحلة.
اجتاز ابن فضلان ووفده بلاد فارس والترك وصولا إلى بلاد الصقالبة وروسيا وبعض مناطق أوروبا الشرقية، وقد وثق بدقة كل تفاصيل الرحلة وما شاهده من عادات وتقاليد وجوانب اقتصادية ومالية. وقد جاءت هذه الرحلة عربية باتجاه الغرب، وأظهرت صورا واقعية للعلاقة بين العرب والغرب في تلك الحقبة الزمنية.
ويمثل كتاب ابن فضلان رسالة ثقافية حضارية تصف جزءا من العالم الأوروبي في القرن العاشر الميلادي، وقد تمتاز بأسلوبه السردي الشيق والملاحظات الدقيقة والتحليل العميق. وقد تم نشر هذه الرحلة الثقافية من قبل المرحوم الدكتور سامي الدهان بتحرير دقيق وتوجيه من المفكر السوري الراحل محمد كرد علي.
وقد ركز ابن فضلان في رسالته على وصف الشعوب والأقاليم التي زارها، وقدم صورا حية للأماكن التي مر بها والأشخاص الذين التقى بهم. وتضمنت الرسالة ملاحظات دقيقة عن الشعوب والثقافات التي قابلها، كما وثق لنا أماكن وأنهار ومدن وعادات وتقاليد الشعوب التي عاشت فيها.
وتميزت رحلة ابن فضلان بالتنوع في المضمون والشكل، حيث يمكن اعتبارها كتابا حضاريا ثقافيا يتناول مجموعة من العلوم والمعارف من خلال وصف المؤلف لعادات الناس وتقاليدهم وأساليب معيشتهم. ولقد أظهرت هذه الرحلة العربية نمطا جديدا من التفكير والتركيز على التبادل الحضاري والتعارف بين الشعوب والثقافات المختلفة.
وفي الختام، يمثل كتاب ابن فضلان رسالة ثقافية وحضارية تجمع بين السرد القصصي والملاحظات الحضارية، ويعطي صورا حية للشعوب والثقافات التي شاهدها، ويوثق تجاربه ومشاهداته بشكل دقيق وموثوق. ويعتبر هذا الكتاب نموذجا مشرقا من التواصل الحضاري بين العرب والغرب في العصور الوسطى، ويستحق القراءة والتأمل لما يحمله من قيمة ثقافية وأدبية عالية.
