أنقرة- في أعقاب التطورات القضائية في ملف رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، قرر حزب الشعب الجمهوري -أكبر أحزاب المعارضة في تركيا- الدفع باتجاه إدراج الانتخابات المبكرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2025 ضمن أولويات إستراتيجيته السياسية للمرحلة المقبلة.

ورغم أن الحكومة لم تعلن أي نية لتقديم موعد الانتخابات المقررة في 2028، فإن المعارضة ترى في قرار عزل إمام أوغلو نقطة تحول تستوجب تصعيدا سياسيا، بينما تؤكد الأوساط الحكومية أن الإجراءات بحق رئيس بلدية إسطنبول المعزول تمت في إطار القانون والقضاء المستقل، دون أي بُعد سياسي مباشر.

وبحسب ما نقلته وسائل إعلام تركية، فإن “الشعب الجمهوري” يعمل على بلورة خطة تقوم على استقالات جماعية من البرلمان، تهدف إلى خلق شغور في عدد كاف من المقاعد البرلمانية، مما يفرض دستوريا إجراء انتخابات تكميلية في بعض الدوائر.

ويستند هذا التحرك إلى المادة الدستورية التي تنص على إجراء انتخابات فرعية لمرة واحدة في الدورة التشريعية، إذا تجاوز عدد المقاعد الشاغرة نسبة 5% من إجمالي عدد مقاعد البرلمان التركي، أي ما يعادل 30 مقعدا من أصل 600، وحاليا، تشير المعطيات إلى وجود 8 مقاعد شاغرة، مما يعني أن استقالة نحو 22 نائبا من نواب الحزب قد تفي بالحد الأدنى المطلوب قانونيا.

وفي هذا السياق، أكد زعيم الحزب أوزغور أوزال أن خيار الانتخابات النصفية مطروح بجدية على الطاولة، مضيفا أن “توفر 30 مقعدا شاغرا سيجبر الدولة على فتح صناديق الاقتراع خلال 90 يوما”، وفق نص الدستور، كما حذر من أن أي محاولة لتعطيل هذا المسار أو رفض استقالات النواب قد تكلف الحكومة ثمنا سياسيا باهظا.

وقالت مصادر مقربة من قيادة الحزب للجزيرة نت، إن الحزب أدرج رسميا خيار الانتخابات المبكرة ضمن أجندته السياسية، كجزء من الرد على ما وصفه بـ”الأزمة الدستورية” الناتجة عن توقيف إمام أوغلو، وإنه يجري حاليا إعداد عمليات محاكاة ميدانية في عدد من الدوائر التي يتمتع فيها الحزب بثقل انتخابي، تحسّبا لاحتمال الدخول في معركة انتخابية فرعية في الخريف المقبل، إذا نجحت خطوة الاستقالات الجماعية.

تحرك جاد

وأكد مراد جان إيشيلداق، نائب رئيس لجنة الانضباط في حزب الشعب الجمهوري، أن “تلويح الحزب بورقة الانتخابات النصفية لا يُعد مناورة سياسية أو خطوة تكتيكية عابرة، بل يمثل تحركا جادا يُعبّر عن احترام الإرادة الشعبية، ويهدف لحماية الدولة القانونية والديمقراطية في وجه الانحدار السياسي الراهن” على حد تعبيره.

وفي تصريحات للجزيرة نت، شدد إيشيلداق على أن الحزب يأخذ بعين الاعتبار العقبات القانونية والبرلمانية المحتملة، لكنه في الوقت ذاته يرفض القبول بأن تُستخدم هذه العقبات ذريعة لتعطيل تمثيل الشعب أو حرمانه من حقوقه السياسية.

وقال “نحن عازمون على مواصلة النضال حتى النهاية، من أجل فتح الطريق أمام انتخابات نزيهة وحرة، وتجاوز الحواجز الموضوعة في وجه التمثيل الديمقراطي الحقيقي”.

وأضاف أن التصعيد الأخير يتجاوز قضية اعتقال أكرم إمام أوغلو، موضحا أن الخطوة “تأتي في سياق أوسع للدفاع عن العدالة، واستقلال القضاء، وكرامة المجتمع الذي يُحاصر بالفقر والتهميش”، وتابع “من الخطأ اختزال هذه المبادرة باعتبارها مجرد رد فعل سياسي، فهي تعبير عن رؤية اجتماعية كاملة تنطلق من جوهر الفكر الاجتماعي الديمقراطي، الذي يهدف إلى بناء مجتمع أكثر عدلا وحرية وكرامة”.

واختتم بالقول إن الحزب يضع نصب عينيه مسؤولية إنقاذ البلاد من مسارها السلبي الحالي، مضيفا أن “المجتمع يعيش تحت وطأة فقر عميق، وهذه الخطوة ضرورية لإيقاف هذا التدهور، إن الدفاع عن الديمقراطية ليس خيارا سياسيا فحسب، بل واجب وطني وأخلاقي”.

رفض قاطع

في المقابل، تبنت الحكومة التركية وتحالف “الجمهور” الحاكم، الذي يضم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، موقفا صارما إزاء تهديدات المعارضة بإجراء انتخابات مبكرة، ووصفت الخطوة بأنها “عديمة الجدوى”.

ونقلت وسائل إعلام تركية عن مصادر في حزب العدالة والتنمية أن تفعيل هذه الانتخابات يتطلب قرارا من البرلمان بقبول استقالات النواب، وهو ما يمكن للأغلبية الحاكمة تعطيله بسهولة.

وشدد الرئيس رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة على أن تركيا ستكمل دورتها الانتخابية حتى عام 2028، مشيرا إلى أن “البلاد بحاجة إلى تركيز كامل على التحديات الاقتصادية والأمنية، لا إلى استنزافها مجددا في أجواء انتخابية”.

واعتبر أن تصعيد المعارضة ومطالبتها بالانتخابات المبكرة يهدف إلى “زعزعة الاستقرار السياسي” الذي تحقق بعد انتخابات 2023، ملمحا إلى أن بعض هذه الدعوات تعكس تنافسا داخليا بين أطياف المعارضة.

من جانبه، اتخذ زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي نبرة أكثر حدة، واصفا مطالب المعارضة بأنها “غير واقعية”، ومؤكدا أن التحالف الحاكم لن يفرط بـ”أمانة الشعب” التي منحت الرئيس أردوغان ولاية جديدة قبل أقل من عامين.

قيود دستورية

ويرى المحلل السياسي مراد تورال أن سيناريو “الانتخابات النصفية” الذي تلوح به المعارضة يواجه عقبات دستورية وإجرائية معقدة تجعل تنفيذه غير مضمون النتائج.

ويوضح في حديث للجزيرة نت، أن الدستور التركي ينص على إلزامية إجراء انتخابات فرعية لمرة واحدة في كل دورة تشريعية إذا شغر 5% من مقاعد البرلمان (30 مقعدا من أصل 600)، إلا أن الوصول إلى هذا الحد القانوني لا يكون تلقائيا.

فبحسب المادة 84 من الدستور، لا تصبح استقالة أي نائب نافذة إلا بموافقة الجمعية العامة للبرلمان، مما يمنح التحالف الحاكم -بفضل أغلبيته- قدرة عملية على عرقلة قبول الاستقالات ومنع تحقق الشغور المطلوب.

ويضيف تورال أن نافذة تنفيذ الانتخابات التكميلية تضيق أكثر بفعل القيد القانوني الذي يمنع تنظيمها في السنة الأخيرة من عمر البرلمان، مما يحصر إمكانية تنفيذها فعليا خلال عامي 2025 و2026 فقط.

من جانبه، يرى المحلل السياسي علي الأسمر أن تحرك حزب الشعب الجمهوري نحو الانتخابات المبكرة يأتي في توقيت غير موات، ويحرك ملفا لا يشكل أولوية للدولة التركية حاليا.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الأسمر أن الحكومة منشغلة في هذه المرحلة بملفات إستراتيجية كبرى تفوق في أهميتها الحسابات الداخلية، مشيرا إلى التطورات الجارية في سوريا بعد سقوط النظام، والتصعيد مع إسرائيل، وتحركات الوساطة التركية في الحرب الروسية الأوكرانية.

ويضيف الأسمر أن الزخم الأمني الحالي بلغ ذروته مع إعلان حزب العمال الكردستاني عقد مؤتمر لبحث خيار ترك السلاح، وهو ما يُعد لحظة تاريخية فارقة تضع هدف “تركيا بلا إرهاب” في مقدمة أولويات الدولة.

وفي هذا السياق، يعتبر الأسمر أن دعوات المعارضة لانتخابات نصفية أو مبكرة تبدو “خارج السياق، وتفتقر للوزن السياسي والواقعية”.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.