أطلقت مؤسسة التعليم فوق الجميع، مبادرة “مدارس السَّلم” ضمن مشروع “سويا”، بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم العالي القطرية، وبدعم من الجهات المانحة المحلية.

وذلك في إطار تحقيق رؤية دولة قطر في تعزيز العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وضمان التحاق جميع الأطفال بالمدارس بغض النظر عن جنسياتهم أو ظروفهم الاجتماعية.

ويهدف مشروع “سويا” إلى توفير الوصول العادل إلى التعليم للأطفال عبر المجتمعات في الدولة بتوفير فرص تعليم ذي جودة، مما يتيح لهم التغلب على التحديات وتحقيق إمكاناتهم الكاملة. كما أطلق “سويا” مبادرات رائدة مثل التعليم المنزلي والتعلم المدمج لدعم الفئات التي يصعب دمجها في الأنظمة التقليدية.

وساهم المشروع في تطوير السياسات الوطنية المتعلقة بتسجيل الأطفال في المدارس، بتنسيق الجهود مع المؤسسات الحكومية المعنية، مما أدى إلى إنشاء منصة وطنية لرصد الأطفال غير المسجلين رسميا بالمدارس ودعمهم للالتحاق بمقاعد الدراسة.

“مدارس السَّلم” الخمس تغطي جميع المراحل الدراسية من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية (الجزيرة)

التعليم الشامل

و”مدارس السَّلم” الخمس تغطي جميع المراحل الدراسية من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية، وتعمل هذه المدارس وفق مناهج تعليمية معتمدة في قطر، إذ تطبق ثلاث منها المنهج الوطني القطري، بينما تعتمد المدرستان الأولى والثالثة المنهج البريطاني تلبية لاحتياجات الطلبة غير الناطقين بالعربية.

كما تسعى مدارس السَّلم إلى توسيع نطاق خدماتها التعليمية بإطلاق “مدرسة السَّلم السادسة”، التي ستُخصص لتقديم التعليم النوعي للطلبة من ذوي الإعاقة، بما يضمن دمجهم الفاعل في المجتمع وتمكينهم أكاديميًا واجتماعيًا.

ومنذ تأسيسها، استفاد من خدمات مدارس السّلم أكثر من 16 ألفا و515 طالبًا وطالبة، وقُدمت أكثر من 18 ألفا و636 منحة دراسية، سواء من خلال مدارس السّلم أم مدارس خاصة ومجتمعية. ينتمي الطلبة إلى جنسيات، من أبرزها: فلسطين، سوريا، اليمن، السودان، الصومال، أفغانستان، مصر، باكستان، وغيرها.

نورة السليطي، مديرة مشروع "سويا" التابع لمؤسسة التعليم فوق الجميع
نورة السليطي: أصبح الطلاب أكثر اندماجا في المجتمع ولديهم طموحات واضحة نحو مستقبل أفضل (الجزيرة)

تحديات أساسية

وفي حديث خاص لـ”الجزيرة نت”، ذكرت نورة السليطي، مديرة مشروع “سويا” التابع لمؤسسة التعليم فوق الجميع، التحديات الأساسية في الوصول إلى الأطفال غير المسجلين رسميا لا سيما من أبناء بعض الجاليات، خاصة أولئك الذين يعيشون حواجز تعيقهم من الدخول في المدراس، ومنها تجاوز الطالب عمر الالتحاق بالصف الدراسي وفقدان الأوراق الثبوتية والتحديات المادية والاجتماعية، وأيضا قد يتطلب ذلك بناء جسور من الثقة مع هذه المجتمعات، واعتماد حلول مبتكرة مثل مبادرات التعليم المنزلي.

وقالت السليطي “لاحظنا أن توفير بيئة تعليمية حاضنة ومشجعة، تمكن الأطفال من تحقيق تطور أكاديمي واجتماعي ملموس، أصبح الطلاب أكثر اندماجا في المجتمع و لديهم طموحات واضحة نحو مستقبل أفضل”.

وأشارت إلى أن أبرز ما يميز مدارس السَّلَم أنها تقدم تعليما شاملا له جدوى، باللغتين العربية والإنجليزية مع دعم نفسي واجتماعي متكامل، وأضافت “نحن لا نركز فقط على الجوانب الأكاديمية، بل نولي اهتماما خاصا ببناء شخصية الطالب وتمكينه من التغلب على التحديات الشخصية والاجتماعية”.

مدارس السلم تحقيق رؤية قطر بتعزيز العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
مدارس السَّلم تحقق رؤية قطر في تعزيز العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص (الجزيرة)

الأثر الفعلي

وأكدت السليطي أن الأثر الفعلي للمشروع يتجاوز الأرقام، “فقد تمكنا من إحداث تغيير حقيقي في حياة الآلاف من هؤلاء الأطفال بتوفير فرص تعليمية حقيقية لهم، مما انعكس إيجابا على مستقبلهم وطموحاتهم”.

وعن خطط التوسع المستقبلية للمشروع، قالت السليطي “نعمل حاليا على توسعة مدارس السَّلَم، وتعزيز برامج التعليم للأطفال ذوي الإعاقة، بتطوير شراكات مع مؤسسات وطنية لضمان استدامة هذا الأثر، حيث يخطط المشروع لافتتاح مدرسة سادسة لدعم الأطفال ذوي الإعاقات الخفيفة إلى المتوسطة، إلى جانب إطلاق مشروع لتعزيز تعليم المهارات المرتبط بالزراعة والفنون والحرف، كما تم إدخال دعم نفسي شامل بشراكة مراكز الطب المحلية، وبرامج للإرشاد المهني بالتعاون مع مركز قطر للتطوير المهني”.

تسعى مدارس السلم إلى التحاق جميع الأطفال بالمدارس بغض النظر عن جنسياتهم أو ظروفهم الاجتماعية.
تسعى مدارس السَّلم إلى تعليم جميع الأطفال بغض النظر عن جنسياتهم أو ظروفهم الاجتماعية (الجزيرة)

قصص ملهمة

ويعتبر محمد (15عاما) نموذجا لنجاح المشروع، وصل إلى قطر قادما من سوريا عام 2022، حاملا معه أحلاما كبيرة وتحديات جسيمة، بما فيها التعافي من عملية جراحية في القلب والتأقلم مع بيئة جديدة، بفضل مدرسة السَّلَم الخامسة، حيث التحق بالصف السابع.

وجد محمد ملاذا تعليميا حاضنا له ولأشقائه الذين التحقوا بالصفين الأول والخامس، محمد الذي كان يخشى أن يفقد شغفه بالتعلم، استعاد حبه للمعرفة، لا سيما في مادتي اللغة الإنجليزية والعلوم، وهو اليوم يصفه معلموه بأنه “طالب موهوب يتحدى المصاعب بإصرار”.

أما حنين، الطفلة اليمنية ذات العشرة أعوام، فقد وجدت في مدارس السَّلَم منصة لتحقيق أحلامها، هربت حنين مع عائلتها من أهوال الحرب الأهلية في اليمن، وواجهت في البداية صعوبة كبيرة في التكيف مع حياتها الجديدة، إلا أن دعم معلماتها وزملائها سرعان ما مكنها من التفوق التعليمي، إذ أصبحت من أوائل الطلاب في الصف السادس، تحلم حنين بأن تصبح معلمة، وأن تسهم ذات يوم في إعادة بناء وطنها.

بينما تحدى أحمد (16عاما) من السودان، أصعب الظروف بعد أن اضطر إلى مغادرة قريته الصغيرة في بلده بسبب الحرب التي دمرت مدرسته وعصفت بأحلامه، وصل إلى قطر مع عائلته بدون والده الذي لم يتمكن من مرافقتهم، بعد عام قضاه دون تعليم، وجد أحمد ضالته في مدرسة السَّلَم الخامسة التي فتحت له أبوابها، رغم الفجوة الكبيرة التي واجهها، أثبت عزيمته واجتهاده، حتى أصبح اليوم من أكثر الطلاب تميزًا، محققا إنجازات تعليمية باهرة، وملهما لكل من يعرفه بقوة إصراره وإيمانه بأن الفرص تصنع الفرق.

والجدير بالذكر أن مشروع “سويا” يثبت أن توفير التعليم الشامل والمتكافئ يمثل ركيزة أساسية لبناء مجتمعات مزدهرة وآمنة، وبينما تستمر المبادرة في التوسع، تظل قصص الأطفال الذين تغيرت حياتهم بفضلها شهادة حية على أثر الاستثمار في الإنسان، وصورة مشرقة لرؤية قطر نحو التنمية المستدامة.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.