القدس المحتلة- في أعقاب سقوط صاروخ أطلقه الحوثيون على محيط مطار بن غوريون قرب تل أبيب، يواجه قطاع الطيران في إسرائيل لحظة حرجة تنذر بتداعيات واسعة، لا تقتصر على حركة الملاحة الجوية، بل تمتد إلى قطاع السياحة الذي يعتمد بدرجة كبيرة على الانفتاح الجوي.

ورغم إعلان سلطة المطارات الإسرائيلية استئناف عمليات الإقلاع والهبوط بشكل طبيعي، فإن شركات طيران أوروبية وعالمية سارعت إلى إلغاء أو تعليق رحلاتها إلى إسرائيل، في مؤشر على هشاشة الوضع الأمني وتأثيره المباشر والفوري على الاقتصاد الإسرائيلي.

ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، تم إلغاء نحو 100 رحلة جوية فور الإعلان عن الحادث، مع تفاوت مُدد الإلغاء من شركة لأخرى، مما يعكس حجم الارتباك وعدم اليقين في الأوساط الدولية.

وقد شملت الإلغاءات:

  • شركات الطيران النمساوية والفرنسية و”ريان إير” والأذربيجانية وعدة شركات أوروبية أخرى.
  • ألغت شركتا “دلتا إيرلاينز” الأميركية و”لوت” البولندية رحلات فردية
  • علّقت شركات ألمانية مثل “لوفتهانزا” و”إي تي إيه” و”سويس” و”ويز إير” و”إير إنديا” رحلاتها لمدة 3 أيام.
  •  علقت شركتا “ترانسافيا” و”إيبيريا” رحلاتها لمدة يومين.
  • علقت شركة “بريتيش إيروايز” رحلاتها لمدة 4 أيام.
  • في حين قررت “يونايتد إيرلاينز” تعليق رحلاتها حتى يوم الجمعة، حسبما أوردته صحيفة “غلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية.

تداعيات اقتصادية

هذا التطور أثار موجة قلق متصاعدة في الأوساط الاقتصادية الإسرائيلية، إذ يُنظر إلى الأسابيع الأربعة المقبلة على أنها اختبار حاسم لقدرة إسرائيل على استعادة ثقة شركات الطيران العالمية وتفادي تصعيد قد يؤدي إلى شلل جزئي أو كامل في مجالها الجوي.

ويُتوقع أن ينعكس هذا الوضع بشكل مباشر على قطاع السياحة، الذي يُعد من أبرز مصادر الدخل للاقتصاد الإسرائيلي، لا سيما مع انطلاق موسم الربيع الذي يشهد عادة ذروة في أعداد السياح.

واستعرضت تحليلات خبراء وصحفيين اقتصاديين تأثير الضربة على ثقة شركات الطيران، وعلى حركة السياحة الوافدة، كما سلطت هذه التحليلات الضوء على الأبعاد الاقتصادية والأمنية للهجوم، واستشرفت السيناريوهات المحتملة لمستقبل قطاعي الطيران والسياحة في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة.

وحذر محللون من أن تكرار هذه الهجمات أو اتساع نطاق التهديدات قد يؤدي إلى تآكل تدريجي في صورة إسرائيل كوجهة آمنة، ويدفع بقطاعي الطيران والسياحة نحو حالة شلل مؤقت أو ممتد.

أزمة ثقة

وتقول مراسلة شؤون الطيران والسياحة في صحيفة “ذا ماركر” الاقتصادية هدار كانا إن “ما نشهده اليوم ليس مجرد اضطراب مؤقت، بل أزمة ثقة قد تتفاقم إذا لم تثبت إسرائيل قدرتها على تأمين مجالها الجوي”.

وأوضحت أن شركات الطيران تتحرك وفق مبدأ تقليل المخاطر، وأي تهديد مباشر للبنى التحتية الحيوية -مثل مطار بن غوريون- يجعل من إسرائيل وجهة عالية الخطورة بالنسبة لها.

وأضافت كانا أن تداعيات هذه الأزمة لن تقتصر على إيرادات شركات الطيران فقط، بل ستنعكس مباشرة على قطاع السياحة، لا سيما في ظل تزامنها مع ذروة الموسم السياحي.

وحذرت من أن استمرار الوضع الحالي لأيام قليلة إضافية قد يؤدي إلى خسائر بملايين الشواكل، فضلا عن التأثير الطويل الأمد على صورة إسرائيل كوجهة سياحية آمنة.

تعامل حذر

بدوره، قال المختص بالشؤون الاقتصادية عميرام بريكت إن قطاع الطيران الإسرائيلي يعاني منذ أكثر من عام ونصف العام من حالة عدم يقين، انعكست في موجات متكررة من إلغاء الرحلات، نتيجة قرارات شركات الطيران الأجنبية بتجميد نشاطها داخل إسرائيل.

وأوضح بريكت -في حديثه للجزيرة نت- أن كل شركة طيران تجري حساباتها بناء على عدة عوامل، أبرزها اعتبارات التأمين، وإدارة المخاطر، وصعوبة وضع جداول تشغيل مستقرة، وتوافر الطواقم.

وأشار إلى أن قرار استئناف الرحلات من مطار بن غوريون وإليه مرتبط بالربحية العالية لهذه الوجهة، مما يدفع بعض الشركات لترك الباب مواربا أمام استئناف نشاطها عند تحسن الوضع الأمني.

في المقابل، تتعامل شركات أخرى بحذر شديد، إذ ترفض بعض الطواقم قضاء الليل في بلد يعيش حالة حرب، ومع النقص العالمي في الطائرات، وارتفاع الطلب على الرحلات في أوروبا، تفضل كثير من الشركات تحويل طائراتها إلى خطوط أقل خطورة وأكثر استقرارا من الناحية التشغيلية.

شركات الطيران تتعامل بحذر شديد مع التطورات الأمنية في إسرائيل (الجزيرة)

تهديد اقتصادي

أما الرئيس السابق لسلطة الطيران المدني في إسرائيل، أفنير ياركوني، فرأى أن ما حدث يُعد تطورا غير مسبوق، وقال للقناة الـ12 الإسرائيلية إن “هذه هي المرة الأولى، حسب ما أذكر، التي يصيب فيها صاروخ مطار بن غوريون بشكل مباشر”.

وأشار إلى خطورة الحدث، ليس فقط من ناحية الأضرار المباشرة، بل أيضا من ناحية التداعيات الاقتصادية والأمنية، مؤكدا أن القلق من موجة إلغاء حجوزات الطيران يشكل تهديدا حقيقيا.

وقال: “لسنا بصدد مجرد صاروخ، بل صاروخ باليستي، وكان يمكن أن ينتهي الأمر بكارثة، والحقيقة المؤلمة أنه رغم كل قدرات إسرائيل الدفاعية، سقط الصاروخ في قلب مطار بن غوريون”.

وأكد ياركوني أن قرارات إلغاء الرحلات تتخذها شركات الطيران بشكل مستقل، وليس حكومات الدول التي تنتمي إليها، لكنه شدد على أن الأمر يتطلب تحركا دبلوماسيا عاجلا من الحكومة الإسرائيلية لإقناع الدول الأجنبية بعدم تصعيد قرارات الإلغاء، والعمل على استعادة الثقة الدولية.

وأضاف: “لكنني لست واثقا من أن لدى الحكومة الإسرائيلية حاليا ما يكفي من الثقة لدى المجتمع الدولي لضمان الاستقرار، وفي النهاية، تبقى مسؤولية استعادة الثقة تقع على عاتق سلطة الطيران المدني”.

قطاع السياحة في إسرائيل يواجه حالة فوضى متزايدة (غيتي)

فوضى في السياحة

من جهتها، حذرت الرئيسة التنفيذية لمجموعة “غوردون للسياحة” شيري غوردون من حالة الفوضى المتزايدة التي يشهدها قطاع السياحة المنظمة من إسرائيل وإليها، وذلك على خلفية إلغاء الرحلات الجوية إثر استهداف مطار بن غوريون، ودعت شركات الطيران إلى تحمل مسؤولياتها تجاه المسافرين وشركات السياحة المتضررة.

وأوضحت غوردون أنه ابتداء من بعد غد الأربعاء، من المتوقع إلغاء مجموعات سياحية كانت مقررة للسفر في رحلة منظمة إلى أوروبا عبر شركة “لوفتهانزا”، دون إعلان رسمي من الشركة حتى الآن، وهو ما يمنع شركات السياحة من اتخاذ خطوات بديلة دون التعرض لعقوبات مالية.

وأضافت أن شركات السياحة الإسرائيلية تكبدت خسائر فادحة العام الماضي، وأنها تأمل هذا العام في تدخل حكومي مباشر لدعم هذا القطاع الحيوي، الذي يشغّل عشرات الآلاف من العاملين، ويمنع انهيارات اقتصادية قد تلحق أضرارها بالشركات والمواطنين على حد سواء.

وفي تصريح لصحيفة يسرائيل هيوم، أكدت غوردون أن قطاع السياحة المنظمة ما زال يواجه الأزمة دون أي دعم حكومي أو حلول عملية، بينما يستمر في تكبّد خسائر مباشرة نتيجة للوضع الأمني وقرارات شركات الطيران الأجنبية أحادية الجانب.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.