|

كتب غدعون ليفي أنه سيقف كما كان يفعل كل عام منتبها عند سماع صفارة الإنذار، ولكنها اليوم تشوش أفكاره وتنقله إلى مشاهد غزة التي لم تعد تفارقه، بدلا من تذكيره بجده وجدته اللذين حُفر اسماهما على جدار النصب التذكاري في المقبرة اليهودية القديمة في براغ.

وذكّر ليفي -في زاويته بصحيفة هآرتس- بأنه كان كلما دوت صفارة الإنذار، يتخيل نارا هائلة تلتهم كل شيء، ويرى يهودا يحترقون فيها قبل حرب غزة، ولكنه هذا العام يرى الأطفال الرضع يحرقون أحياء في خيمة إيوائهم في خان يونس، ومعهم آلاف الأطفال والنساء والرجال الذين قتلتهم إسرائيل بلا رحمة.

وتساءل الكاتب “كيف يمكننا اليوم أن نقف منتبهين دون أن نفكر في التحقيق المروع الذي أجراه يانيف كوبوفيتش في إعدام 15 منقذا فلسطينيا على يد جنود إسرائيليين أطلقوا النار عليهم بدم بارد، ثم سحقوا سيارات الإسعاف ودفنوا الجثث في الرمال؟ ودون أن نفكر في أحد سكان سنجل في الضفة الغربية، أحرق المستوطنون منزله، ثم أطلق عليه الجنود الغاز المسيل للدموع حتى أصيب بنوبة قلبية وفارق الحياة”.

وأضاف “كيف يمكننا أن نقف منتبهين دون أن نفكر في مجتمع أم الخير الرعوي المسالم في تلال الخليل الجنوبية، والمذابح المتواصلة التي يتعرض لها على أيدي الجيش والمستوطنين؟ وكيف يمكننا ألا نفكر في المقال الشجاع والصادم الذي كتبته أوريت كامير في هآرتس عن وقوف الإسرائيليين على الحياد في هذه الحرب، مما يلغي -حسب رأيها- حقهم في الشكوى من الألمان الذين فعلوا ذلك؟ وكيف يمكننا ألا نفكر في مقال دانيال بلاتمان في الصحيفة نفسها عن أطفال غزة وأطفال الهولوكوست، وقد ذكّر فيه بأن يوم استئناف القتال في غزة سيخلد في ذاكرة التاريخ اليهودي”.

مجزرة وسط صمت ولا مبالاة

وكتب بلاتمان أنه درس الهولوكوست مدة 40 عاما، وقرأ شهادات لا تحصى عن أبشع إبادة جماعية على الإطلاق بحق الشعب اليهودي وضحايا آخرين، “ومع ذلك فما كنت أقرأ عن جرائم قتل جماعي ارتكبتها إسرائيل، تذكرني في تشابه مرعب، بشهادات من أرشيف ياد فاشيم (مركز أبحاث وتخليد ذكرى الهولوكوست) وهو أمر لم أكن أتوقعه حتى في أسوأ كوابيسي”.

ونفى بلاتمان أن تكون هذه مقارنة بالهولوكوست واعتبرها تحذيرا من مسار الأمور، وقال إن عدم التفكير في غزة اليوم ضياع للإنسانية وانتهاك لذاكرة المحرقة، وخيانة لذكرى الهولوكوست وضحاياه، بل ونذير شؤم لما هو آت.

ومع أنه لا وجود لمعسكرات أوشفيتز وتريبلينكا في غزة، فإن هناك معسكرات اعتقال، وهناك أيضا جوع وعطش، ونقل الناس من مكان إلى آخر كما تنقل الماشية، وحصار على الأدوية.

وختم ليفي بأن المحرقة لم تصل إلى ذروتها بعد، ولكن أحد عناصرها الأساسية أصبح قائما منذ زمن طويل، وهو نزع الصفة الإنسانية عن الضحايا الذي ترسخ لدى النازيين، وهو الآن يتحرك بكامل قوته في إسرائيل، مذكرا بأن مقتل 1600 فلسطيني منذ استئناف الحرب، مجزرة ينفذها خيرة أبنائنا وسط صمت ولا مبالاة مقززة من معظم الإسرائيليين.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.