تنبأ الذكاء الاصطناعي بظهور خمس مهن جديدة خلال عام 2030، هي «مدقق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي»، و«مهندس ميتافيرس»، و«مطور برامج الحوسبة الكمومية»، و«معالج نفسي مختص في التخلص من الإدمان الرقمي»، و«مهندس التعلم»، ما يستلزم استعداد الجامعات لها، وإعداد طلبتها لشغلها لضمان توافق المناهج مع احتياجات سوق العمل.
وأكدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، اهتمام دولة الإمارات بتطوير قطاع التعليم العالي، إدراكاً منها لدوره المحوري في تحقيق التنمية والتقدم والنجاح على مستوى الفرد والمجتمع والوطن، من خلال بناء اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة.
كما أكدت جامعات إماراتية العمل على استشراف وظائف المستقبل، وإعداد الطلبة لوظائف لم تُخلق بعد، عبر تطوير المناهج، وتحديث الخطط الدراسية بصورة منتظمة لدمج التخصصات الناشئة والتقنيات الحديثة ضمنها، والتركيز على المهارات الإنسانية والذكاء العاطفي في إعداد الطلبة للمستقبل، وتعليمهم كيفية إدارة التغيير والتكيف مع بيئات العمل المختلفة، والتعلم متعدد التخصصات، إضافة إلى تطوير مهارات المستقبل التي تساعدهم على التكيف مع سوق العمل المتغير.
وشدد أكاديميون على أهمية دور الجامعات في إعداد أجيال قادرة على مواجهة تغيرات سوق العمل، ودمج التكنولوجيا الحديثة في المناهج، عبر تدريس مفاهيم البرمجة وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي لجميع التخصصات، إلى جانب استخدام تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز في التجارب التعليمية، وتوفير منصات تعليمية تعتمد على التعلم التكيفي، وتعزيز ريادة الأعمال والابتكار وحاضنات الأعمال داخل الجامعات، فضلاً عن توفير بيئات تعليمية مرنة تدعم التفكير الريادي.
وأكد رئيس جامعة خليفة، البروفيسور إبراهيم الحجري، أن رؤية جامعة خليفة المستقبلية تبرز في التركيز على تطوير مناهج دراسية مرنة ومتجددة تواكب المتغيرات السريعة في مختلف القطاعات، حيث تؤمن الجامعة بأن الدور الأساسي للمناهج الحديثة هو إعداد الطلبة لوظائف لم تُخلق بعد، لذا فهي تعتمد نهجاً استباقياً في تصميم برامجها الأكاديمية، لضمان تزويد الخريجين بالمعارف والمهارات التي تمكنهم من النجاح في سوق عمل المستقبل.
وقال: «تشمل جهود الجامعة في هذا الصدد مراجعة وتحديث الخطط الدراسية بصورة منتظمة، لدمج التخصصات الناشئة والتقنيات الحديثة ضمن المناهج. وعلى سبيل المثال، تم إدخال مساقات وتخصصات في مجالات الذكاء الاصطناعي، وعلوم البيانات الضخمة، والأمن السيبراني، والروبوتات، وعلوم الفضاء، والطاقة المتجددة، وغيرها من المجالات التي تمثل ملامح الاقتصاد المعرفي في القرن الـ21».
وأضاف الحجري: «ضمن رؤية تطوير المناهج، تستفيد جامعة خليفة من شراكاتها العالمية وصلاتها الوثيقة مع قطاعات الصناعة، لضمان اتساق برامجها مع أفضل الممارسات الدولية، ومواءمتها مع متطلبات الاقتصاد الوطني المستقبلي، حيث يتم إشراك أصحاب العمل والخبراء الصناعيين في عملية تطوير البرامج الأكاديمية، لتزويد الطلبة بخبرات واقعية ومهارات عملية تحتاجها القطاعات الناشئة. كما توفر الجامعة أيضاً فرص التدريب المهني، الداخلي والخارجي، في مؤسسات رائدة، ما يتيح لطلبتها التعرف المبكر إلى بيئات العمل المتقدمة، ويعزز جاهزيتهم للتعامل مع التقنيات والوظائف الجديدة».
وحول كيف يمكن للتعليم العالي أن يُعد الطلاب لمستقبل غير متوقع، أوضح العميد التنفيذي في كليات التقنية العليا في أبوظبي، الدكتور ليو كيت، أن «الوظائف الأكثر طلباً في عام 2030 ربما لا تكون موجودة اليوم».
وأضاف أن «مهمة مؤسسات التعليم العالي تكمن في تأهيل الكوادر الوطنية لتلبية متطلبات سوق العمل».
وقال إنه طرح على منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي سؤالاً عن الوظائف التي يُتوقع أن تكون مطلوبة خلال السنوات الخمس المقبلة، وكانت الوظائف التي ذكرها هي «مدقق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي»، و«مهندس ميتافيرس» و«مطور برامج الحوسبة الكمومية»، وواحدة من الوظائف المثيرة للاهتمام «معالج نفسي» مختص في التخلص من الإدمان الرقمي، إضافة إلى وظيفة «مهندس التعلم».
وتابع: «لا يقتصر دور المعلم على طريقة تدريس أحادية الاتجاه، بل يتعلق بكيفية إشراك الطلاب، خاصة في عصر التكنولوجيا».
وأضاف كيت: «علينا تعليم الطلبة كيفية الإلمام بالمهارات الرقمية، وفهم الذكاء الاصطناعي، وكيفية العمل مع التكنولوجيا، وينبغي للطلاب اكتساب مهارات العمل العابر للحدود، بدلاً من العمل في عزلة، فالتخصصات المتداخلة أصبحت أكثر أهمية»، مشيراً إلى أن هناك مهارات معينة ستكون مستمرة طيلة العمر، لذا نريد لطلابنا أن يكونوا مفكرين نقديين قادرين على حل المشكلات بطرق إبداعية، وأن يكونوا بارعين في التواصل، ومرنين وقادرين على التكيف في أوقات الشدائد، لذا كمؤسسة تعليم عالٍ، علينا تحضير طلابنا في مجالات التكنولوجيا، وفي المهارات الدائمة، وفي التخصصات المتداخلة أيضاً.
وأفاد مدير جامعة الإمارات بالإنابة، الدكتور أحمد مراد، بأن جامعة الإمارات تعمل على بناء الوعي الأكاديمي المستمر بأهمية المواءمة ما بين المناهج الأكاديمية وسوق العمل، والتطورات العلمية واستشراف مستقبل التعليم العالي، من خلال تضمين المواد التعليمية التي تساعد الطالب على كسب مهارات سوق العمل.
وأكد أن مواءمة المناهج الأكاديمية عملية مستمرة تهدف إلى رفع المخرجات الأكاديمية، بما يعزز مكانة الجامعة عالمياً.
وقال: «يتطلب التطور السريع للتكنولوجيا والتحديات العالمية نهجاً تعليمياً استشرافياً، وتعمل جامعة الإمارات العربية المتحدة على صياغة مناهجها الدراسية بشكل استباقي لإعداد الطلبة لمهن المستقبل، مع التركيز على الذكاء الاصطناعي التوليدي والتقنيات المتقدمة، حيث تدمج جامعة الإمارات العربية المتحدة الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والبلوك تشين وتحليلات البيانات الضخمة في برامجها الأكاديمية، ما يزود الطلاب بالمهارات المتطورة، كما تركز الجامعة على تعليم تغير المناخ والاستدامة، إذ تقوم جامعة الإمارات العربية المتحدة بدمج معرفة المناخ ودراسات الطاقة المتجددة، وأهداف التنمية المستدامة في مناهجها لإعداد الطلبة لمهن الاقتصاد الأخضر».
وأضاف مراد: «أن صياغة المناهج الدراسية بشكل استباقي لإعداد الطلبة لمهن المستقبل تضمن التركيز على الصناعة والتقنيات الذكية عبر مواءمة الجامعة برامجها بناءً على متطلبات الصناعة، بما في ذلك الأتمتة، وإنترنت الأشياء، والروبوتات، والتوائم الرقمية، والتصنيع الذكي، ما يضمن قدرة الخريجين على النجاح في الثورة الصناعية القادمة، وأيضاً التركيز على التعلم والبحث متعدد التخصصات، وتعزز جامعة الإمارات العربية المتحدة البرامج متعددة التخصصات، ما يضمن إعداد الطلبة للتحديات العالمية المعقدة والمتطورة، إضافة إلى التعلم التجريبي مدى الحياة من خلال التدريب الداخلي، والشهادات الصغيرة، والشراكات الصناعية، وتقوم جامعة الإمارات العربية المتحدة بإعداد خريجين قادرين على التكيف، ومستعدين للمستقبل في سوق العمل سريع التغير».
وأكد مدير جامعة أبوظبي، البروفيسور غسان عواد، أن جامعة أبوظبي تتبع رؤية مستقبلية استشرافية لتطوير المناهج وتأهيل الطلبة لوظائف الغد، ترتكز على الابتكار، والتكامل بين التخصصات، والتعلم القائم على المشاريع، والخبرة العملية، إضافة إلى التكنولوجيا الحديثة، مشيراً إلى أن سوق العمل تشهد تحولات سريعة، بسبب التقدم التكنولوجي، والأتمتة، وبروز صناعات جديدة، ما يجعل تأهيل الطلبة لوظائف المستقبل يتطلب تعليماً مرناً قائماً على التفكير النقدي، والتعلم متعدد التخصصات، والتجربة العملية، وليس فقط التدريب على وظائف محددة.
وأضاف: «تستعد الجامعة لمواكبة المستقبل من خلال تنمية المهارات المستقبلية عبر تعزيز التفكير النقدي، وحل المشكلات، والابتكار، والثقافة الرقمية، والتعامل مع الذكاء الاصطناعي، والقدرة على التكيف مع التغيرات، وتعزيز التعلم مدى الحياة، والتطوير المستمر عبر تقديم مسارات تعليم مرنة، مثل المؤهلات التراكمية، والبرامج المعيارية، والدورات المصغرة والشهادات المهنية، ودعم التعلم التجريبي ومتعدد التخصصات، من خلال توفير برامج تعليمية تطبيقية، ومشاريع لحل مشكلات حقيقية، وشراكات مع القطاع الصناعي عبر فرص التدريب والتعاون البحثي.
كما تتضمن استعدادات الجامعة للمستقبل غرس عقلية ريادة الأعمال والابتكار، عبر إنشاء حاضنات أعمال ومسرّعات للشركات الناشئة داخل الحرم الجامعي، وتوفير دورات ريادية، ومسابقات ابتكار، وبرامج دعم لتمويل المشاريع الطلابية، ودمج الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة في مختلف التخصصات من خلال تعليم أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الضخمة، والأمن السيبراني، وأتمتة العمليات، إضافة إلى تعزيز التعاون الأكاديمي مع الصناعة، عبر تطوير مناهج دراسية بالشراكة مع الشركات، وتنفيذ مشاريع واقعية بالتعاون مع جهات العمل، وإطلاق برامج إرشاد مهني للطلبة مع خبراء من القطاع الصناعي.
وأكد مدير ضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي بالجامعة الأميركية بالشارقة، الدكتور هشام جمعة، أن الجامعة تعتمد نهجاً استباقياً في إعداد طلبتها لسوق العمل المستقبلي، مدركة أن التميز في هذا العصر يتطلب أكثر من المعرفة الأكاديمية، بل يستدعي امتلاك القدرة على التكيف المستمر، واكتساب المهارات المتجددة التي يفرضها الاقتصاد الرقمي والمعرفي.
وقال إن الجامعة تعمل على تمكين طلبتها من أدوات المستقبل، من خلال تحديث المناهج الأكاديمية لتتضمن مفاهيم ومهارات محورية مثل الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والاستدامة، والابتكار، وريادة الأعمال، وتصميم برامج متعددة التخصصات، تتيح للطلبة آفاقاً أوسع للتفكير النقدي والتفاعل مع تحديات مهنية غير تقليدية، وبناء شراكات استراتيجية مع قطاعات الأعمال والصناعة، تضمن مواءمة مخرجات التعليم مع تطلعات السوق واحتياجاته المتغيرة، وترسيخ مفهوم التعلم مدى الحياة، بما يعزز من جاهزية الطلبة لمواصلة تطوير مهاراتهم ومواكبة المستجدات في مختلف الميادين، إضافة إلى الاستثمار في التدريب العملي، والبحث التطبيقي، ومختبرات الابتكار، لسد الفجوة بين التعلم النظري والتطبيقي، وصقل المهارات المهنية لضمان جاهزية الطلبة لسوق العمل.
وأضاف جمعة أن هذا النهج يتماشى مع رؤية «نحن الإمارات 2031»، التي تؤكد أهمية التعليم كركيزة لبناء اقتصاد معرفي تنافسي، وتطوير منظومة تعليمية مرنة، وإعداد الأجيال القادمة لوظائف المستقبل، كما يتماشى مع استراتيجية وزارة التعليم العالي في دعم مؤسسات التعليم على الابتكار، وتعزيز الشراكات مع مختلف القطاعات، وتطوير مهارات الطلبة لتلبية متطلبات التنمية الوطنية.
نماذج تعليمية أكثر مرونة
أكد أكاديميون ضرورة تبني الجامعات مفهوم التعلم المستمر والتكيف مع متطلبات العصر، من خلال تقديم دورات قصيرة وشهادات رقمية محدثة باستمرار، لتلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة، داعين إلى تطوير بيئات تعليمية تشجع على التعلم الذاتي، وإدخال برامج قائمة على المهارات بدلاً من التخصصات التقليدية.
ورأوا أن التحول من المناهج التقليدية إلى نماذج تعليمية أكثر مرونة وابتكاراً واستشرافاً للمستقبل بات أمراً حتمياً، وذلك عبر تعزيز التفكير النقدي والإبداعي، وتشجيع الطلاب على حل المشكلات بطرق مبتكرة، من خلال دمج التفكير التصميمي في المناهج الدراسية، وتحفيزهم على طرح الأسئلة بدلاً من حفظ الإجابات.