في خطوة مفاجئة هزت الساحة السياسية التركية، اعتقلت السلطات رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بتهم تتعلق بالفساد ومساعدة منظمة إرهابية، مما يثير تساؤلات ومخاوف عن تداعيات هذا التطور على المشهد السياسي والاقتصادي في تركيا.

أما عن سبب ما يعتبره البعض “زلزالا سياسيا”، فإن إمام أوغلو يُعد من أبرز وجوه المعارضة، وكان يُنظر إليه كمرشح محتمل لانتخابات الرئاسة المقبلة.

أثار هذا الاعتقال ردود فعل واسعة من المعارضة وحزب العدالة والتنمية الحاكم، وأدى إلى تداعيات اقتصادية ملموسة، حيث شهدت الليرة التركية تراجعا حادا.

  • من أكرم إمام أوغلو؟

هو سياسي ومهندس ورجل أعمال تركي، ولد عام 1971 وتولى منصب رئيس بلدية إسطنبول عام 2019 بعد منافسة شرسة مع بن علي يلدرم مرشح حزب العدالة والتنمية.

حصل على شهادة في إدارة الأعمال من جامعة إسطنبول، وأكمل مرحلة الماجستير في الجامعة نفسها 1995، لكنه لم يواصل تعليمه العالي، وأتمه بعد سنوات طويلة مستفيدا من العفو الطلابي.

بدأ إمام أوغلو حياته المهنية في قطاع البناء والعقارات قبل أن يدخل معترك السياسة، حيث انضم إلى حزب الشعب الجمهوري وتدرج في مناصبه حتى أصبح رئيس بلدية منطقة “بيليك دوزو” في إسطنبول عام 2014.

وفي عام 2019، خاض إمام أوغلو انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى كمرشح عن حزب الشعب الجمهوري، ورغم المنافسة الشرسة مع مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، فاز بالانتخابات بفارق ضئيل.

أُلغيت نتائج الانتخابات لاحقا وأُعيدت في يونيو/حزيران 2019، وحقق إمام أوغلو فوزا كاسحا، ليصبح أول رئيس بلدية معارض لأردوغان في إسطنبول منذ عام 1994، معززا مكانته كقوة صاعدة في السياسة التركية، واعتُبر منافسا محتملا لأردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

  • ما سبب الاعتقال؟

في 19 مارس/آذار 2025، نفذت السلطات التركية مداهمات في إسطنبول أسفرت عن اعتقال أكرم إمام أوغلو وأكثر من 100 شخص آخرين، بينهم مسؤولون في البلدية ورجال أعمال، حيث وُجهت لهم تهم تتعلق بالفساد، وتشكيل منظمة إجرامية.

بالإضافة إلى ذلك، اتُهم إمام أوغلو بـ”مساعدة منظمة إرهابية”، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني.

جاء هذا الاعتقال قبل أيام من الانتخابات التمهيدية داخل حزب الشعب الجمهوري، حيث كان يُنظر إلى إمام أوغلو كمرشح محتمل لانتخابات الرئاسة المقبلة. كما أعلنت جامعة إسطنبول إلغاء شهادة إمام أوغلو الجامعية، مما قد يمنعه من الترشح للرئاسة، حيث يُشترط الحصول على شهادة جامعية لهذا المنصب.

وأثار توقيت الاعتقال والتهم الموجهة تساؤلات عن دوافعه، حيث اعتبره البعض محاولة لإقصاء إمام أوغلو من المشهد السياسي ومنعه من الترشح للرئاسة، في حين تنفي السلطات وجود دوافع سياسية وراء الاعتقال، مؤكدة أن التحقيقات تجري وفقا للقانون.

  • ما موقف المعارضة؟

أثار اعتقال إمام أوغلو ردود فعل غاضبة من المعارضة التركية، حيث وصف رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، الخطوة بأنها “انقلاب ضد الديمقراطية”، معتبرا أن السلطات تستخدم القضاء لإقصاء إمام أوغلو من المشهد السياسي ومنعه من الترشح للرئاسة.

كما رفض رئيس بلدية أنقرة الكبرى وعضو حزب الشعب الجمهوري، منصور يافاش، هذه الإجراءات، مؤكدا أنها “لا تليق بدولة تدّعي سيادة القانون”.

كما خرجت مظاهرات في عدة مدن تركية، خاصة في إسطنبول، احتجاجا على اعتقال إمام أوغلو، حيث تجمع آلاف المحتجين أمام مبنى بلدية إسطنبول الكبرى، رافعين شعارات تندد بالاعتقال وتطالب بالإفراج الفوري عنه. وشهدت بعض المظاهرات اشتباكات مع قوات الأمن، مما زاد من حدة التوتر في البلاد.

أوزغور أوزيل، زعيم حزب الشعب الجمهوري، يلقي كلمة، بينما يتجمع أنصار إمام أوغلو خارج مبنى بلدية إسطنبول (رويترز)
  • ما موقف حزب العدالة والتنمية؟

في المقابل، نفى حزب العدالة والتنمية الحاكم وجود دوافع سياسية وراء اعتقال إمام أوغلو، وأكد وزير العدل، يلماز تونتش، أن التحقيقات تجري بشكل مستقل ووفقا للقانون، وأنه من الخطأ وصفها بأنها انقلاب أو استهداف سياسي.

كما انتقد مكتب الرئيس رجب طيب أردوغان ما وصفه بـ”حملة التشهير” ضد الحكومة عقب الاعتقال، ودعا المواطنين ووسائل الإعلام إلى احترام قرارات القضاء المستقل وتجنب نشر معلومات غير مؤكدة قد تزيد من التوتر في البلاد.

ورأى بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية أن الاعتقال يأتي في إطار مكافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون، مؤكدين أن الجميع، بغض النظر عن مناصبهم، يجب أن يخضعوا للمساءلة القانونية إذا ثبت تورطهم في قضايا فساد أو دعم لمنظمات إرهابية.

  • ما تأثير الاعتقال على المشهد السياسي والاقتصادي في تركيا؟

يُشكل اعتقال إمام أوغلو نقطة تحول في المشهد السياسي التركي، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة ترتيب القوى داخل المعارضة، وقد تؤدي هذه التطورات إلى خلافات داخل حزب الشعب الجمهوري بشأن مرشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة أمام ظهور شخصيتين بارزتين داخل الحزب، منصور يافاش، وأوزغور أوزيل.

من ناحية أخرى، قد يؤدي الاعتقال إلى تعزيز موقف الرئيس أردوغان، خاصة بين أنصاره الذين يرون في هذه الخطوة دليلا على عدم التسامح مع الفساد.

ولكن في المقابل، قد يؤدي الاعتقال إلى تعبئة الشارع المعارض ضد الحكومة، مما قد يشكل تحديا أمام حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة.

وفيما يتعلق بالاقتصاد، فقد شهدت الليرة التركية تراجعا فور الإعلان عن اعتقال إمام أوغلو، حيث انخفضت قيمتها أمام الدولار وسط مخاوف من عدم الاستقرار السياسي. كما تراجعت مؤشرات البورصة التركية، مما يعكس قلق المستثمرين من تداعيات الأزمة السياسية.

ويخشى مراقبون أن يؤدي هذا الوضع إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التركي، مما قد يؤثر على تدفقات رأس المال والاستثمارات المباشرة. وقد تواجه تركيا ضغوطا اقتصادية إضافية إذا استمرت التوترات السياسية، خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.