بروكسل ـ للتخفيف من آثار الحرب في سوريا طيلة 13 عاما الماضية، تعهد المجتمع الدولي بتقديم 5.8 مليارات يورو، وفق ما أعلنته مفوضة الاتحاد الأوروبي بعد مؤتمر المانحين التاسع المنعقد في بروكسل.

وخصص الاتحاد الأوروبي 4.2 مليارات يورو منحا، و1.6 مليار يورو قروضا للحكومة السورية الانتقالية، ومع ذلك، يبقى هذا الرقم أقل من تعهدات العام الماضي التي بلغت 7.5 مليارات يورو، بسبب التخفيضات الهائلة في المساعدات الخارجية الأميركية التي أقرتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، كانت الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات الإنسانية في سوريا حتى الآن، لكنها لم تقدم أي التزامات ملموسة في المؤتمر الأخير.

تبعات وقف المساعدات الأميركية

يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط ميركو كايلبيرت للجزيرة نت، “إن الولايات المتحدة تتخلى عن مسؤولياتها في المنطقة في لحظة خطِرة، موضحا، أن سوريا تحيط بها التهديدات من جميع الجهات وتحتاج إلى دعم سياسي واقتصادي حتى تستطيع النهوض.

ويرى كايلبيرت، أن الانسحاب الأميركي من دور المانح الرئيسي يعكس تحولا إستراتيجيا في أولويات واشنطن، حيث تركز الإدارة الأميركية بشكل أكبر على قضايا الأمن القومي والمنافسة الجيوسياسية مع الصين وروسيا، مطالبا الاتحاد الأوروبي بتحمل المسؤولية في المنطقة أكثر من المسؤولية على الجبهة في دونباس (في إشارة إلى الحرب في أوكرانيا).

تحديات ما بعد الحرب

تميز مؤتمر بروكسل، هذا العام، بكونه الأول منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، كما شهد المؤتمر مشاركة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الذي دعا الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ تدابير عملية لرفع العقوبات المفروضة على سوريا.

لكن أجواء المؤتمر خيمت عليها أحداث العنف الأخيرة في الساحل السوري، حيث تضاءلت الآمال في تحقيق سلام سريع ودائم بعد تصاعد التوترات، إذ أكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، أن الاتحاد يراقب من كثب تصرفات القيادة السورية الجديدة، لا سيما ما يتعلق بالأحداث الأخيرة التي استهدفت الأقلية العلوية.

ويقول المتخصص في الشؤون السياسية والشرق الأوسط إيفالد كونيغ، “إن القيادة السورية الانتقالية تواجه تحديات هائلة، فمن جهة، تحتاج إلى كسب شرعية داخلية ودولية، ومن جهة أخرى، عليها التعامل مع الإرث الثقيل للحرب والجرائم التي ارتُكبت، وأي فشل في معالجة قضايا العدالة والمحاسبة قد يؤدي إلى تجدد العنف وتقويض الاستقرار الهش في البلاد”.

هل يخفف الاتحاد الأوروبي العقوبات؟

وسط الوضع الإنساني الكارثي في سوريا، حيث يقدر عدد المحتاجين إلى المساعدة بنحو 16.7 مليون شخص، حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من موجة هجرة جديدة إذا لم يُقدم دعم كافٍ للبلاد، وعلى هذه الخلفية، أكد الاتحاد الأوروبي التزامه برفع بعض العقوبات تدريجيًا، على أمل أن يسهم ذلك في تحقيق استقرار اقتصادي يمنع مزيدًا من التصعيد.

صرّحت كايا كالاس بعد اجتماع وزراء الخارجية في بروكسل: “إذا أردنا منع المزيد من العنف، فعلينا إعطاء الناس في سوريا الأمل، يتطلب ذلك تسهيل الوصول إلى الخدمات المصرفية، وضمان دفع الرواتب، وتشجيع الاستثمارات”.

لكن رغم هذه التعهدات، تبقى هناك مخاوف بشأن مدى فعالية هذه المساعدات، خاصة في ظل تعقيد المشهد السياسي وغياب توافق واضح بين القوى المحلية والدولية حول مستقبل سوريا.

التحديات الاقتصادية وإعادة الإعمار

تواجه الحكومة السورية الانتقالية تحديًا هائلًا في إعادة بناء اقتصاد دمرته الحرب، حيث كانت الأمم المتحدة قد قدرت في عام 2017 أن تكلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى 250 مليار دولار، بينما يقدر الخبراء الآن أن الرقم قد يتجاوز 400 مليار دولار.

واعتبر كايلبيرت أن الأوروبيين يريدون “مواصلة الضغط على الحكومة الحالية من أجل ضمان حماية حقوق المرأة والأقليات، بينما تريد الحكومة الأميركية الحفاظ على نفوذها لضمان الحفاظ على المنطقة منزوعة السلاح جنوب دمشق واحتلال مرتفعات الجولان، كما تطالب إسرائيل”.

ويضيف كايلبيرت، أن الدبلوماسيين الأوروبيين يأملون باحترام المعاهدات، مثل الاتفاق بين الحكومة الانتقالية والأكراد، مؤكدا ضرورة “تقديم المساعدة الخارجية وليس بالانتظار في تردد حتى التوقيع على كل الاتفاقيات”.

لكن في الوقت الذي تحتاج فيه سوريا إلى استثمارات ضخمة، تتجه الحكومات الغربية إلى خفض مساعدات التنمية، جزئيا بسبب زيادة الإنفاق الدفاعي في ظل التوترات العالمية المتصاعدة.

ويبدو أن مؤتمر المانحين، هذا العام، يعكس مزيجا من الالتزام الإنساني والمصالح السياسية، ففي حين تواصل أوروبا تقديم الدعم، فإنها في الوقت ذاته تضغط على القيادة السورية الجديدة من أجل تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية، بما فيها تشكيل حكومة أكثر شمولا.

في ظل هذه المعادلة المعقدة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستكون هذه التعهدات كافية لإنقاذ سوريا من أزمتها الإنسانية والاقتصادية، أم أنها مجرد حلول مؤقتة لن تغير الواقع على الأرض؟.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.