من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى السودان، يقول المحللون إن ودّ الرئيس روتو مع الجماعات المتمردة الإقليمية يجعل كينيا كدولة متحيزة.

ففي أحد أيام الأسبوع من شهر فبراير/شباط، اجتمع سياسيون وعسكريون في مركز فعاليات شهير بالحي التجاري المركزي في نيروبي وتوصلوا إلى توافق حول تشكيل حكومة موازية للحكومة الشرعية في السودان.

صحيفة ستار الكينية توقعت أزمة دبلوماسية بين السودان وكينيا بسبب استضافة فعالية الدعم السريع (الجزيرة)

لكن بدلًا من العلم الكيني الأحمر والأسود، زُينت القاعة بعلم سوداني. وبدلًا من السياسيين الكينيين، كان جميع الحاضرين متحالفين مع قوات الدعم السريع، وهي مجموعة شبه عسكرية تخوض حربًا مستمرة ضد القوات المسلحة السودانية، مما أدى إلى دمار البلاد.

أثارت تحركات قوات الدعم السريع احتجاجات هائلة من الحكومة والشعب السوداني، وكذلك من عدة حكومات أجنبية، بما في ذلك تركيا والسعودية. لكن الغضب كان موجهًا أيضًا إلى الحكومة الكينية بسبب دعمها الظاهر لهذه المليشيا.

وفي فبراير/شباط، استدعت الحكومة السودانية التي تتخذ من بورتسودان مقرًا لها سفيرها في كينيا.

وعندما اجتمعت قوات الدعم السريع مرة أخرى في نيروبي الأسبوع الماضي لتوقيع “دستور انتقالي”، لم تتردد الحكومة السودانية في التعبير عن موقفها.

وقالت الحكومة السودانية حينئذ في بيان “هذه المواقف الواضحة تؤكد موقف الرئاسة الكينية غير المسؤول في احتضان مليشيا الإبادة الجماعية” في إشارة إلى قوات الدعم السريع، مضيفة أن كينيا أصبحت “دولة مارقة”.

واعتبرت أن توقيع قوات الدعم السريع على “الميثاق التأسيسي للسودان” الشهر الماضي يمهد الطريق فعليا لإنشاء حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات، بما فيها منطقة دارفور غربي البلاد.

Delegates affiliated to Sudan's Rapid Support Forces (RSF) react during a meeting in Nairobi
فعالية نظمتها قوات الدعم السريع في كينيا لإعلان حكومة موازية في السودان (رويترز)

وبرأي المحللين، فإن السماح بمثل هذه الخطوة المثيرة للجدل في نيروبي يعني أن كينيا ليست محايدة.

فقد قال عبد الله بورو حلاخي الخبير الكيني في السياسات العامة والذي يعمل أيضًا لدى منظمة الدولية للاجئين للجزيرة إن “من منظور كرة القدم، هذا هدف ذاتي دبلوماسي”. وأضاف أن عواقب هذه الخطوة على سمعة كينيا ستكون مكلفة، وأن الضرر “سيستغرق وقتًا لإصلاحه”.

خطأ دبلوماسي آخر؟

هذا الحادث ليس الأول الذي تورطت فيه حكومة الرئيس وليام روتو دبلوماسيا مؤخرًا، فلا تزال التوترات مع جمهورية الكونغو الديمقراطية بسبب استضافة المتمردين في نيروبي أواخر عام 2023 قائمة.

كينيا اتهمت بدعم متمردي الكونغو الديمقراطية وهو سبب للخلافات مع حكومة كينشاسا (الفرنسية)

ويرى المحللون أن موقف روتو في هذين الحدثين يُمثل تحولًا كبيرًا في سياسة بلد كان يُنظر إليه في السابق كقائد إقليمي محايد، إذ استضافت كينيا محادثات سلام بين الفصائل المتحاربة في الصومال والسودان في الماضي.

خط فاصل في السودان؟

بدأ القتال في السودان في أبريل/نيسان 2023 بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان قائد القوات المسلحة السودانية؛ إثر محاولة الدعم السريع السيطرة على السلطة بالقوة حسب ما يقول الجيش وهو ما ينفيه الدعم السريع.

أسفر الصراع عن مقتل أكثر من 60 ألف شخص وتشريد 11 مليونًا. ويتهم الطرفان بارتكاب جرائم حرب محتملة، لكن قوات الدعم السريع تواجه اتهامات أكثر خطورة.

وقالت الأمم المتحدة العام الماضي إن قوات الدعم السريع شنت حملة “وحشية” على قبيلة المساليت في غرب دارفور، وإن هذه الهجمات قد تمثل “مؤشرات على الإبادة الجماعية”. وفي يناير/كانون الثاني، أعلنت الولايات المتحدة أن قوات الدعم السريع ترتكب “إبادة جماعية” وتستهدف الناس “على أساس عرقي”.

ورغم أن مصر والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، التي تضم كينيا والسودان، حاولتا التفاوض على محادثات سلام، فإن الجهود باءت بالفشل إلى حد كبير.

فبعد اجتماع قوات الدعم السريع الأول في نيروبي في الشهر الماضي، دافعت الحكومة الكينية عن نفسها ضد الانتقادات.

A general view shows the Nation Centre and Lonrho Africa building in central business district in downtown Nairobi, Kenya February 18, 2022. REUTERS/Thomas Mukoya
وسط نيروبي عاصمة كينيا (رويترز)

وقال وزير الخارجية موساليا مودافادي “إن تقديم خارطة طريق وقيادة مقترحة من قبل قوات الدعم السريع والمجموعات المدنية السودانية في نيروبي يتماشى مع دور كينيا في مفاوضات السلام، والذي يتطلب توفير منصات غير متحيزة للأطراف المتنازعة”.

لكن بعض السودانيين لم يقتنعوا بذلك. فقد صرحت المحللة السياسية السودانية شذى المهدي “لا أصدق ذلك على الإطلاق”، وقالت “بالنسبة لقوات الدعم السريع، فإن هذا الاجتماع مع المدنيين هو مجرد خطوة لتحسين صورتهم. هذه الخطوة تثير إنذارات كبيرة بالنسبة لنا نحن السودانيين، لأنها تمهد الطريق لفصل دارفور عن بقية البلاد. إنها خطوة انقسامية”.

وأشار بعض المراقبين إلى “الصداقة” بين روتو وحميدتي كسبب محتمل للصداقة الحميمة في نيروبي مع قوات الدعم السريع.

كينيا وصراع الكونغو الديمقراطية

في ديسمبر/كانون الأول 2023، استضافت نيروبي قادة متمردين من جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما تسبب في خلاف حاد بين البلدين.

وفي الوقت الذي كانت فيه قوات شرق أفريقيا تحاول فرض وقف إطلاق النار، اجتمع قائد حركة إم 23 المتمردة برتران بيسيموا مع كورنيلي نانغا، الرئيس السابق للجنة الانتخابات في الكونغو الذي تحول إلى متمرد، للإعلان عن تحالف سياسي، وذلك من ردهة أحد فنادق نيروبي.

أدى هذا الحدث إلى تصعيد التوترات، إذ أمرت كينشاسا الرئيس روتو باعتقال الزعيمين المتمردين، لكن الطلب قوبل بالرفض القاطع.

ورد روتو قائلا إن “كينيا دولة ديمقراطية. لا يمكننا اعتقال أي شخص بسبب بيان أصدره. نحن لا نعتقل الأشخاص بسبب تصريحاتهم، بل نعتقل المجرمين”.

من صانع سلام إلى منحاز؟

قبل هذه الخلافات، كانت كينيا تُعرف بأنها وسيط سلام رئيسي في شرق أفريقيا. ففي عام 2004، استضافت محادثات سلام بين الفصائل المتحاربة في الصومال.

وفي العام التالي، قادت كينيا اتفاق السلام الشامل السوداني، الذي مهد الطريق لانفصال جنوب السودان في عام 2011.

لكن في ظل إدارة روتو، يبدو أن كينيا لم تعد تحافظ على هذه الصورة، ويقول المحللون إن تحالفاتها الظاهرة مع الجماعات المسلحة قد أضرت بمكانتها الدبلوماسية وأضعفت سمعتها كوسيط نزيه.

أما على الصعيد الداخلي، فشهدت كينيا احتجاجات شبابية غير مسبوقة العام الماضي، إذ خرج الآلاف في يونيو/حزيران ويوليو/تموز ضد خطط روتو لزيادة الضرائب.

Activists and civil society members participate in a nationwide march titled “End Femicide Kenya" to raise awareness about gender-based violence (GBV) and to pressure the Kenyan government to implement stricter laws and policies to combat this pervasive issue, in downtown Nairobi, Kenya December 10, 2024. REUTERS/John Muchucha
مظاهرات سابقة ضد زيادة الحكومة الكينية للضرائب (رويترز)

واجه المتظاهرون عنف الشرطة، مما أسفر عن مقتل 50 شخصًا وإصابة المئات واختفاء آخرين.

وقال عبد الله بورو حلاخي “لقد كشفت أزمتا السودان والكونغو عن نقطة ضعف كينيا الدبلوماسية”.

وأضاف “رغم سياساتها الداخلية المتوترة، لم تكن سياستها الخارجية مضرة بنفسها كما هي الآن. لقد أخذت كينيا جانبًا، وانتقلت من كونها دولة تُفاوض في عمليات السلام إلى المشاركة في تبييض الإبادة الجماعية، وهو تراجع حاد في مكانتها الدبلوماسية”.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.