أثارت فكرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة قسريا للسيطرة عليه وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” موجة من الاستنكار في مختلف أنحاء العالم لأنها تنتهك أسس القانون الدولي ذاتها، ولكن الوقت لا يزال مبكرا لتفهم أوروبا أن مصيرها يرتبط ارتباطا وثيقا بمصير هذا القطاع الفلسطيني.

هكذا افتتح عالم السياسة الفرنسي جان بيير فيليو عموده في صحيفة لوموند، موضحا أن زعيمي أوروبا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا لم يصدر عنهما أي رد فعل على فكرة ترامب، مما ينبئ بمستقبل أسود ينتظر أوروبا.

وأوضح الكاتب أن الزعماء الأوروبيين استسلموا لحقيقة أن الاتحاد الأوروبي لن يكون له تأثير على إدارة الأزمات في الشرق الأوسط، وأنهم مكتفون بتمويل إعادة بناء الأطلال التي تخلفها هذه السياسة المتساهلة، وكأنهم مقتنعون بضرورة حماية البيت الأبيض في الشرق الأوسط من أجل الحفاظ على الدعم الأميركي لأوكرانيا.

ولا بد -وفقا لفيليو- من الاعتراف بأن قصر النظر الإستراتيجي -الذي يعانيه الثنائي الذي يقود الاتحاد الأوروبي- مشترك على نطاق واسع بين دول القارة، وتكفي العودة إلى تسلسل الأحداث في سوريا من 2013 إلى 2015 لإدراك التكلفة الباهظة التي تكبدتها أوروبا نتيجة هذه السياسة الخاطئة.

ووقتها -يقول الكاتب- كان أغلب الزعماء الأوروبيين قد قبلوا بالاكتفاء بالتفرج وتركوا الأمر للكرملين والبيت الأبيض، مع أن ذلك لم يمنع موسكو من إطلاق حملتها على أوكرانيا كما يقول الكاتب، كما لم تحمِ اتفاقية جنيف الاتحاد من موجة الهجمات الجهادية التي عصفت به بين 2014 و2016، ولم تحمِه من “أزمة اللاجئين” عندما طرد نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بشكل مباشر جزءا كبيرا من السوريين.

رهانات غزة

وكان ينبغي أن تتعلم أوروبا درسين من هذا التسلسل الكارثي حسب جان بيير فيليو، وهما أولا: أن الاتحاد الأوروبي سوف تضربه بشدة تداعيات الأزمات المتكررة في الشرق الأوسط إذا لم يضطلع بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في هذه القضية، وثانيا: أن عليه أن يعمل على ترسيخ توازن القوى في الشرق الأوسط، إذ إن ذلك سيساعده في حماية سيادة أوكرانيا.

ولم يفشل زعماء الاتحاد الأوروبي في التفكير في هذين الدرسين فحسب، بل أظهروا -وفقا لفيليو- عمى خطيرا تجاه الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، ولم يدركوا التأثير الضار الذي تخلفه انتهاكات القانون الدولي المتكررة في غزة دون عقاب على المبادئ الأساسية للبناء الأوروبي، ولم يعد السؤال الآن: هل سيمتد تأثير انتهاك القانون الدولي إلى أوروبا، ولكن متى؟

وبالفعل، بدأ هذا التأثير كما يقول الكاتب، فالمبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف هو الذي يعد في موسكو -بعد أن روج لتحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”- الحوار المباشر بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا، مستبعدا الأوروبيين والأوكرانيين.

وعلى الرغم من تهميشه من قبل البيت الأبيض والكرملين فيما يتصل بالقضية الأوكرانية فإن الاتحاد الأوروبي يعتقد أنه لن يدفع بسبب عدم اهتمامه بغزة ثمنا سياسيا أكبر بكثير من المال، لأن صمت الزعماء الأوروبيين في مواجهة ترامب أبلغ من ألف خطاب عن غياب الإرادة السياسية في قمة الاتحاد الأوروبي.

وختم الكاتب متسائلا: هل ينجو الاتحاد الأوروبي من تكرار الأزمة السورية بشكل أسوأ، من حيث أبعادها الأمنية والهجرة وتداعياتها في أوكرانيا؟ مشيرا إلى أن الإجابة عن هذا السؤال تكمن في غزة.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.