في تاريخ 19 نوفمبر 1910، غادر الشاعر النمساوي الألماني “راينر ماريا ريلكه” ميناء مرسيليا في فرنسا، في رحلة ممولة من قبل امرأة ثرية، نحو شمال إفريقيا ومصر، بحثًا عن توسيع الحلم والعطاء لحياته الروحية والإبداعية والفكرية. يعتبر بعض النقاد هذه الرحلة بأنها “الاحتباس الشعري” أو “السكتة الشعرية” التي قد تكون علاجًا لروح مضطربة. كما شدته مناخات الشرق وجاذبيته الفاتنة، وأثّرت فيه المواقع الشرقية التي زارها، مما دفعه لاستكشاف الشرق باعتباره نقلة نوعية وطفرة إبداعية.

خلال رحلته، شعر ريلكه بتأثر شديد من جمال الشرق وأجواءه الشرقية، خاصة عند زيارته لتونس ومدينة القيروان، حيث وصف رؤيته بأنها مثل الحلم وتحتوي على بساطة وحياة مميزة. ورغم تأثره بجمال وروعة المكان، إلا أنه لم ينجح في استلهام أدبية من تلك الحضارة العربية والإسلامية التي زارها، بالمقارنة مع نجاحه في كتابة قصائد معروفة مستلهمة من رحلته إلى حديقة الحيوانات في باريس.

من خلال رسائله وانطباعاته خلال رحلته، يظهر تأثر ريلكه بثقافة وتاريخ الشرق، ورغبته في استكشافه بشكل عميق وفهم أعمق لهذه الحضارة الغنية. وعلى الرغم من فشله في كتابة قصائد تستلهم من الشرق خلال رحلته، إلا أن هذه الخبرة والتجربة كانت جزءًا من رحلته الإبداعية والروحية. تظهر شخصية ريلكه على أنها معقدة ومتأثرة بالعوامل الثقافية والفكرية المحيطة به، مما يجعلها مثيرة للاهتمام والتأمل من قبل النقاد والباحثين.

رغم فشله في الكتابة بتأثير شرقي خلال رحلته، يظهر أن ريلكه كان متعمقًا في تفكيره ومجالات إبداعه، حيث استمر في بحثه عن جديد ومختلف، سواء على المستوى الشخصي أو الإبداعي. يبقى تأثير الشرق وتجربته الشرقية جزءًا مهمًا من رحلته الروحية والإبداعية، التي رغم أنها لم تأتِ بالنتيجة المرجوة، إلا أنها ساهمت في تشكيل شخصيته الفنية والثقافية.

على الرغم من تحدّياته واكتشافاته أثناء رحلته إلى الشرق، فإن ريلكه كان يحمل معه وعيه الغربي وإيمانه المسيحي، مما يجسّد تناقضاته الثقافية والفكرية. يُظهر اهتمامه بالثقافة الشرقية وتجاربه فيها، بالإضافة إلى تأثره بالحضارة الغربية والمعتقدات المسيحية التي شكّلت جزءًا كبيرًا من هويته. يعتبر ريلكه شخصية معقدة ومتناقضة، تجمع بين الشرق والغرب، وبين الوجدان الديني والروحي والإبداعي، مما يجعل منه شاعرًا فريدًا ومثيرًا للبحث والدراسة.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.