بعيداً عن لغة الحوارات الأدبية والمفاهيم النقدية الإشكالية، يقترب الروائي والباحث المغربي، عبدالإله بن عرفة، من واقع المجتمعات العربية في الوقت الراهن، واضعاً يده على العديد من التحديات الجدلية، أبرزها سطوة وسائل التواصل الاجتماعي، وابتعاد جمهور كبير من الشباب عن «فعل القراءة» وشغف الأدب والثقافة والفكر الذي بدأ يتراجع بشكل ملحوظ، في الوقت الذي تعلو الأصوات التي تُحمّل الأدباء والمفكرين جزءاً كبيراً من مسؤولية إعادة جذب الجمهور، عبر مواكبة هذه الوسائط لنشر الأفكار والقيم ودفع عجلة التغيير.

رهان الإمارات على الإبداع

في بداية حواره مع «الإمارات اليوم»، توجّه الأديب المغربي بالشكر إلى جميع الجهات القائمة على إطلاق الإقامة الذهبية، ممثلة في إدارة الإقامة في دبي، وهيئة الثقافة والفنون، ومهرجان طيران الإمارات، لاختياره ضيف هذه الدورة ومنحه الإقامة الذهبية، معتبراً أن هذا الاختيار اعتراف بالمشروع الإبداعي والفكري الذي بدأه منذ ربع قرن، إذ أكد «لاشك في أن ثقافة الاعتراف مهمة في تحفيز أي مبدع على مواصلة الإبداع والإنتاج، والإقامة الذهبية مثل الجوائز والترجمة، شكل مهم من أشكال التكريس الأدبي للمبدعين، ولاشك في أن دولة الإمارات تراهن منذ مدة على الإبداع والمبدعين كخيار استراتيجي جعل منها محضناً عالمياً للإبداع».

الكتابة المفتوحة

وأكد الأديب عبدالإله بن عرفة أن الأساس في الأدب الوصول إلى تحقيق درجة الجمالية الأدبية، خلافاً لوظيفة المقالة السياسية والإخبارية، موضحاً أنه «لا ينبغي للأديب أن يسخّر الأدب ويجعل منه تابعاً، بل وظيفة الأدب الأساسية هي أن يقدّم شهادة أدبية لأي قضية يعالجها، فقد رأينا كيف أن الرواية أو القصيدة، على سبيل المثال، فشلتا حينما سخّرتا الأدب للدعاية السياسية أو غيرها، وفرّطت في الجمالية الأدبية»، وأضاف: «تكمن المعادلة الناجحة في التوفيق الذكي بين الكتابة المفتوحة على كل زمان، مع حمل قضايا الزمن الذي يعيش فيه الكاتب، بمعنى أن يحوّل الأديب معالجته لقضية محددة إلى قضية إنسانية كونية، حاملة قيماً يتماهى معها القراء في كل زمان ومكان».

قصف مشهدي

على صعيد متصل، أكد الروائي المغربي ورائد مشروع الرواية العرفانية، أن الأدباء والكتاب في العصر الحالي نجحوا في تطوير صور جديدة من التواصل مع القراء والجمهور بشكل عام، حيث أصبح بعضهم يزور المؤسسات التعليمية أو السجنية والإصلاحيات والمستشفيات وغيرها، للقاء نزلائها والتواصل مع هذه الشريحة من القراء، وقراءة نصوصهم الإبداعية وتوعيتهم بالأدوار الجديدة للأدب في التعافي من كثير من الأوجاع والآلام والإجابة عن تساؤلاتهم، ما يحقق خدمة السلم المجتمعي والإدماج الاجتماعي، مضيفاً: «تبقى هذه الجهود الحميدة مطلوبة، لكنها ينبغي أن تتوسع وتندرج في استراتيجية الأمن الثقافي»، موضحاً: «مع انتشار مقاطع (الريلز) بشكل كبير، هناك خطورة كبرى تواجه المجتمعات بالتوازي مع ما يتعرّض له المراهقون واليافعون من قصف مشهدي متحول، لا يمكن للعقل أو الجهاز العصبي أن يستوعبه، ما يسبب إفرازاً متواصلاً لهرمون الدوبامين من الانتقال السريع من مشاهدة موعظة دينية إلى مشهد إباحي، وموقف عاطفي مثير، إلى مشهد رعب مخيف»، وأضاف الكاتب: «نتيجة هذا القصف المتواصل، لا يمكن لهؤلاء الفتيان التركيز الذهني لأكثر من دقيقتين، فيتحولون إلى كائنات شاردة لدرجة تعطيل أي قدرة على التمييز والتركيز، ما يؤدي إلى إسقاط الحاجز بين الافتراضي والواقعي، وإهلاك النفس والغير من دون شعور بتأنيب الضمير، لذا ينبغي بناء استراتيجية شاملة للأمن الثقافي لمعالجة هذه التحولات الخطرة».


في سطور

يشغل الروائي المغربي عبدالإله بن عرفة حالياً منصب نائب المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، وهو شاعر ومحقق للتراث وصاحب مؤلفات في الدراسات الثقافية، حائز دكتوراه في اللسانيات من جامعة السوربون في باريس، وقد تُوّج تحقيقه للديوان الكبير لابن العربي بلقب «كتاب العام التراثي في الوطن العربي 2024»، كما أسس لمشروعه السردي العرفاني ذي المرجعية القرآنية، الذي يرى فيه مفهوماً مختلفاً للأدب، إذ تكمن غاياته المعرفية في إنتاج أدب معرفي يحقق تحولاً في وجدان القارئ ومعرفته وسلوكه.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.