حين يرحل رجل خلقه الله محبًا للخير، باذلًا ماله وجاهه، معطاءً لا يسأل، جوادًا لا يُشعر الآخرين بعطائه، تكون الفاجعة أكبر من أن تُحتمل، والمصاب أعظم من أن يُوصف.. رجل بألف رجل،،

عاش للناس فصار اسمه رمزًا للكرم والتضحية، وأحبّه الجميع بلا تكلف، لأنه كان بسمة لا تفارقه، ويدًا تمتد لكل محتاج، وسندًا لا يخذل من طرق بابه.

رحل اليوم الأحد، 10 شعبان 1446 هـ، الموافق 9 فبراير 2025 م.  في مدينة الرياض.

إنه رجل الأعمال الشيخ أبو صالح عبدالله بن صالح بن عيد اليحيى، الرجل الذي كان بيته مفتوحًا للجميع، لا تُستأذن ضيافته، ولا تُغلق أبوابه أمام القادمين. لم يكن الكرم لديه عادة، بل كان فطرة أصيلة..

وكان ابن الرومي يعنيه حين قال:

ليس الكريمُ الذي يعطي عطيتَهُ

على الثناء وإن أغلى به الثمنا

بل الكريمُ الذي يعطي عطيتهُ

لغير شيء سوى استحسانه الحسناء

كان رجلًا لا يمنّ بعطائه،

ولا ينتظر شكرًا،

بل يمنح من قلبه حبًا للخير،

فيُنسيه العطاء فضل نفسه على الناس. عاش عمره داعمًا لكل محتاج،

مساندًا للأيتام،

مساهمًا في الجمعيات الخيرية،

متكفلًا بمشاريع البر،

دون أن يدري القريبون منه

بحجم الخير الذي كان يقدّمه.

أما صبره على المرض، فقد كان مضرب المثل..

لم يكن يشكو الألم..

ولم يكن يثقل على أحد بسؤاله،

وكأن الله رزقه يقينًا بأن الصبر خير، فجسده كان يضعف،

لكن روحه بقيت صلبة لا تهزمها المحن. أي روح كانت تحمله!؟ أي نفس كانت

تسكنه!

أي جسد هذا الذي كان يحتمل الوجع ولا يبوح!

الرحيل المُرّ.. والفقد الذي لا يُعوض*

سيفقده الحي،

وسيفقده المسجد،

وسيفقده سرير المرض الذي طالما صبر عليه،

وسيفقده الطبيب الذي عرفه ثابتًا لا يشتكي،

وسيفقده الأطفال الذين أحبهم، والنساء اللواتي وجدنه أبًا،

والفقراء الذين كان لهم عونًا، وأبواب الخير التي كان يفتحها بلا مقابل.

لكن عزاءنا أن الله عوضه بأبناء مميزين، صالح وعمر، أساتذة فضلاء وشباب نبلاء وبنات فاضلات كريمات..

ومن شابه أباه فما ظلم:

بأبِهِ اقتَدَى عُدَيٌّ فِي الكَرَمِ

ووَمَنْ يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمَ

وداعًا أبا صالح.. وداعًا أيه الكريم المعطاء*

يا من لم يكن الكرم عندك عادة، بل حياة.. يا من كنت السند والعون، والمُعين لكل محتاج..

نم قرير العين، فقد تركت إرثًا من الحب لا يزول، وسيرة طيبة يتناقلها الناس بفخر.

نسأل الله أن يتقبلك في الصالحين، وأن يجعلك من أهل الفردوس الأعلى، وأن يكرم نزلك، ويوسع مدخلك، ويجعل قبرك روضة من رياض الجنة. اللهم اجعل كل عطاءٍ قدّمه في ميزان حسناته، وكل مساعدة بذلها سببًا لرفعته، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله.

وأحسن العزاء لنا واولاده واخوانه وأحبابه

إلى محبيه..

لا تحزنوا، فالكبار لا يموتون، بل تبقى ذكراهم حيّة، وسيرتهم نورًا يُضيء، وأعمالهم شواهد لا تُمحى. وداعًا أيها الكريم، ولكنك لن تُنسى.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.