واشنطن – بدأت إدارة الرئيس دونالد ترامب إجراءات فعلية لتفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في خطوة تدشن لبدء الإجراءات الفعلية التي تعهّد بها ترامب للحد من الإنفاق الفدرالي الذي يراه مهدرا.

ووصف الملياردير إيلون ماسك الوكالة بأنها “منظمة إجرامية” و”عش أفاعٍ للماركسيين اليساريين المتطرفين الذين يكرهون أميركا”. وبالمثل، قال ترامب إن الوكالة يديرها “مجانين متطرفون”.

ومنحت إدارة ترامب جميع الموظفين في الوكالة إجازة إدارية اعتبارا من الساعة 11:59 مساء أمس الجمعة، وفقا لتوجيه تم إرساله إلى موظفي الوكالة ونُشر على موقع الوكالة على الإنترنت. وعبّر كثير من الأميركيين عن خشيتهم من تبعات وخيمة على قوة أميركا الناعمة، ودورها ونفوذها العالميين.

الجزيرة نت تعرض في سؤال وجواب كل ما يتعلق بإغلاق الوكالة الدولية للتنمية الدولية، وتداعيات ذلك على قوة أميركا الناعمة في العالم.

ما المقصود بقوة أميركا الناعمة حول العالم؟

يُقصَد بها قدرة الولايات المتحدة على التأثير في الشؤون العالمية من خلال الثقافة والقيم والدبلوماسية ونظام التعليم والمِنح والجاذبية الاجتماعية والاقتصادية لنموذجها، بعيدا عن اللجوء للقوة الخشنة المتمثلة في الأدوات العسكرية.

ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية دفعت الثقافة الأميركية بما تشمله من لغة إنجليزية وأفلام سينمائية وموسيقى وأدوات وتطبيقات تكنولوجية لاحقا لتشكيل الاتجاهات العالمية، وهو ما عكس هيمنة الثقافة الأميركية على الكثير من مناطق وسكان العالم.

وارتبط بذلك الترويج لما اعتبره كثيرون قِيما أميركية، قبل أن تصبح قِيما عالمية، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والأسواق الحرة، وساهمت مؤسسات أميركية، على رأسها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في الترويج لهذه القوة حول العالم.

ما الذي يخطط له ترامب بشأن مصير وكالة التنمية الأميركية؟

تخطط إدارة ترامب لخفض عدد موظفي الوكالة من أكثر من 10 آلاف موظف إلى أقل من 300، مما يؤدي فعليا إلى القضاء عليها، كما بدأت إجراءات عملية لاندماج الوكالة في وزارة الخارجية، بهدف مواءمة وظائفها بشكل أوثق مع المصالح الوطنية الأميركية.

وشرعت إدارة ترامب بإجراء تغييرات في قيادة الوكالة، وأعلن وزير الخارجية ماركو روبيو نفسه قائما بأعمال مدير الوكالة، وتم توجيه موظفي الوكالة بالعمل عن بُعد، وتجنب الحضور للمقر الرئيسي في واشنطن.

وقُوبلت تحركات إدارة ترامب بتحديات قانونية، إذ رفعت نقابات الموظفين الفدرالية دعاوى قضائية ضد الإدارة، قائلة إن تفكيك الوكالة يعد عملا غير دستوري، ويتجاوز صلاحيات السلطة التنفيذية.

وتم إيقاف المئات من برامج الوكالة، بما في ذلك مبادرات المساعدات الإنسانية الحيوية، بعد أمر تنفيذي بتجميد معظم المساعدات الخارجية الأميركية.

متى تأسست الوكالة؟ وما حجم تواجدها خارج أميركا؟

تأسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في البداية بموجب أمر تنفيذي وقّعه الرئيس جون كينيدي عام 1961، ومنحها الكونغرس طابع الاستقلالية بموجب تشريع في عام 1998.

يخدم حوالي ثلثي موظفي الوكالة خارج أميركا في أكثر من 60 دولة، وفقا لتقرير صدر في يناير/كانون الثاني 2025 عن مركز خدمة أبحاث الكونغرس.

ونتج عن تجميد تمويل إدارة ترامب الوكالة منع استخدام أموالها لدفع تكاليف مرافق البعثة الأميركية للوصول إلى الكهرباء والاتصالات والإجراءات الأمنية الاحتياطية، وجمع القمامة والإجلاء الطبي وغيرها من الخدمات.

كيف بدأت إدارة ترامب تحركاتها للقضاء على الوكالة؟

بدأ كل شيء بتوقيع ترامب على أمر تنفيذي في يوم التنصيب في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، جمد فيه جميع المساعدات الخارجية الأميركية لمدة 90 يوما في انتظار المراجعة.

وتبع وزير الخارجية روبيو ذلك ببرقية توضح بالتفصيل كيفية تنفيذ هذا الأمر، وتجميد جميع المساعدات الخارجية تقريبا، مع بعض الاقتطاعات لبرامج الغذاء الطارئة والمساعدات العسكرية لمصر وإسرائيل فقط.

وبعد تعطيل موقع الوكالة الإلكتروني، أغلقت إدارة ترامب مقر الوكالة، يوم الاثنين الماضي، وطُلب من الموظفين العمل من منزلهم، ومُنح معظم الموظفين الأساسيين إجازة إدارية، ومُنِع الآلاف من دخول أنظمة الكمبيوتر الخاصة بالوكالة.

وكان مستقبل الوكالة أيضا محورا رئيسيا لـ”مشروع 2025″، وهو عبارة عن مجموعة من مقترحات الانتقال السياسي في حالة فوز ترامب، بما يعيد تشكيل الحكومة الفدرالية بشكل أكثر فعالية لتنفيذ أجندة يراها بعض المعلقين “متطرفة”.

وعلى الرغم من محاولات ترامب النأي بنفسه عن المبادرة في مسار الحملة الانتخابية، فقد بدا أنه يستفيد من الخطة بعد توليه منصبه.

ويرى مشروع 2025 أن على الوكالة التركيز على “مواجهة تحدي التنمية الصيني”، والابتعاد عن “سياسة تغير المناخ الراديكالية” لإدارة الرئيس السابق جو بايدن.

ما موقف الكونغرس من هذه الخطوات؟

تحظى المساعدات الخارجية الأميركية تقليديا بدعم من الحزبين، حيث كانت واشنطن أكبر مانح للمساعدات الخارجية في العالم، بما فيها المساعدات العسكرية والأمنية، وهذه الأموال تمثل جزءا صغيرا نسبيا من الإنفاق الأميركي لا يتجاوز 1%، وتدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية حوالي 60% من هذه الأموال.

وبصفة عامة التزم الجمهوريون الذين يتمتعون بأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ بالصمت أمام تحركات ترامب وماسك، في حين هاجم الديمقراطيون الخطوة.

وفي رسالة إلى الكونغرس، قال وزير الخارجية روبيو إنه منخرط في “مراجعة وإعادة تنظيم محتملة لأنشطة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وإن ذلك قد ينطوي على تعليق أو إلغاء البرامج أو المشاريع أو الأنشطة، وإغلاق أو تعليق البعثات أو الوظائف، وتقليص حجم القوى العاملة في هذه الكيانات والتعاقد أو خصخصة الوظائف أو الأنشطة التي يؤديها الموظفون الفدراليون”.

ما تحفظات الجمهوريين على أداء الوكالة؟

أشارت مراجعة أجراها المفتش العام للوكالة الأميركية للتنمية الدولية في عام 2019 إلى مشكلات كبيرة في البرامج التي تمولها الوكالة، التي لا ترقى إلى مستوى التوقعات فيما يتعلق بخدمة المصالح الخارجية للولايات المتحدة.

ما طبيعة وأهمية الغضب من تحركات ترامب وماسك؟

أثارت تحركات إدارة ترامب وإيلون ماسك ضد الوكالة قلق مسؤولين وخبراء سابقين من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ادعوا أن الرئيس يدمر وكالة تقدم مساعدات أساسية للملايين في جميع أنحاء العالم، وتعزز مصالح السياسة الخارجية الأميركية.

وقال هؤلاء إنه “إذا استمرت الجهود المبذولة لتفكيك الوكالة، فنحن بصدد تدمير أداة ضخمة ومهمة من القوة الأميركية حول العالم. وتابعوا “الولايات المتحدة ستفقد نفوذها وسيعاني الكثير من الناس إذا اختفت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وستبدو البلاد وكأنها لاعب عالمي سخيف وغير سخي وغير موثوق به، وستسعى الصين وروسيا إلى الاستفادة من ذلك لدعم نفوذهما العالمي”.

كيف يضعف إغلاق الوكالة نفوذ الولايات المتحدة؟

كانت الوكالة أداة رئيسية في تعزيز المصالح الأميركية من خلال المساعدات الإنمائية والإنسانية والمشاركة الدبلوماسية، ومن شأن إغلاقها أن يحد من قدرة أميركا على تشكيل الرأي العام العالمي، والتأثير على الحكومات الأجنبية، وبناء التحالفات.

كما يمثل إغلاقها خسارة للشراكات الإستراتيجية لأميركا، وبدونها قد يلجأ الحلفاء الرئيسيون والدول النامية إلى مانحين آخرين، لا سيما مبادرة الحزام والطريق الصينية، مما يقلل نفوذ الولايات المتحدة في الشؤون الدولية ويفقدها أداة مساومة رئيسية في المفاوضات الدبلوماسية.

كيف يؤثر إغلاق الوكالة على تحالفات وسمعة أميركا العالمية؟

سيؤدي إغلاقها إلى سعي حلفاء الولايات المتحدة في أفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا للبحث عن شراكات بديلة، خاصة مع الصين وروسيا أو حتى القوى الإقليمية غير الصديقة لواشنطن مثل إيران وجنوب أفريقيا والبرازيل.

وبما أن الوكالة كانت بمثابة حجر الزاوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ورمزا لسخائها والتزامها بالقضايا الإنسانية، فقد يضر إغلاقها بصورة أميركا بحيث تبدو أقل التزاما بالاستقرار العالمي وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما يقلل مصداقيتها بين الحلفاء والمنظمات الدولية.

أحد أقدم المستشفيات بالقاهرة التاريخية بعد ترميمه بالشراكة بين مصر والوكالة الأميركية للتنمية (رويترز)

ما تبعات إغلاق الوكالة على الأمن القومي الأميركي؟

لا تتعلق برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالمساعدات الإنسانية فحسب، وإنما هي استثمار إستراتيجي أميركي في الاستقرار العالمي الذي يخدم مصالحها الكبرى.

وتدعم العديد من برامج الوكالة إعادة الإعمار وإصلاحات الحوكمة بعد انتهاء الصراعات، وبدونها، يمكن للدول الهشة أن تصبح أرضا خصبة للإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة الجماعية بما يضر بمصالح واشنطن.

كما لعبت الوكالة دورا في مكافحة التطرف العنيف من خلال تمويل برامج التعليم، وخلق فرص العمل والحوكمة في المناطق المضطربة، ويرى بعض الخبراء أن قطع المساعدات قد يؤدي إلى زيادة التطرف وتهديدات الإرهاب.

كما يمكن أن تفقد الولايات المتحدة فوائد اقتصادية طويلة الأجل، حيث تتدخل الصين ودول أخرى لبناء البنية التحتية في دول العالم الثالث، مما يمنحها نفوذا قويا في هذه الدول.

ختاما، من شأن إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن يضعف بشكل كبير القوة الناعمة الأميركية، ويقلل نفوذها في المناطق الرئيسية، ويخلق مخاطر أمنية واقتصادية. في وقت يجادل البعض بأن إغلاقها يمكن أن يوفر المال على المدى القصير.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.