تعيش إسرائيل في الوقت الحاضر أزمة جسيمة تتجلى في تفاقم أزمة الثقة بين مؤسستيها السياسية والعسكرية، حيث ظهرت العديد من النقاط البارزة في هذا الصدد، بما في ذلك ما تم تسميته بـ”الفضيحة” السياسية الأمنية الجديدة. ورغم أن وسائل الإعلام تركز على تفاصيل تسريبات محتملة لوثائق، إلا أن الموضوع يتجاوز ذلك إلى مسألة “السرقة” و”الخيانة في زمن الحرب”، بالإضافة إلى التلاعب بالرأي العام لأغراض سياسية. التركيز في هذه الفضيحة ينصب على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وما يرافقه من قضايا تتعلق بإدارة شؤون الدولة والحرب، وبالأخص فيما يتعلق بموضوع استعادة الأسرى.
الأهمية الجوهريّة لهذه القضية تنبثق من العلاقة بين المؤسسات السياسية والعسكرية ووسائل الالتفاف على القوانين والمعايير الأساسية. المدعى عليه الرئيسي في هذه الفضيحة، إيلي فيلدشتاين، شخصية مثيرة للجدل، إذ بدأ حياته المهنية كناطق باسم الجيش قبل أن يتدرج إلى مناصب أعلى وأقرب إلى الدوائر العسكرية والسياسية. ارتباطه بوزير الأمن الداخلي، إيتمار بن غفير، زاد من قربه من نتنياهو، مما يجعله محوريًا في هذه الفضيحة، حيث يُشتبه في تبنيه لممارسات غير أخلاقية في التلاعب بالمعلومات الاستخباراتية.
المزاعم المتعلقة بإيلي فيلدشتاين لا تتعلق بالتسريبات فحسب، بل تشمل استخدام المعلومات الاستخبارية لأغراض سياسية، مما أدى إلى خلق مناخ من عدم الثقة بين القيادات العسكرية وسياسات الحكومة. هذه الخطوات شجّعت على التحريض واستهداف القادة العسكريين، كما أظهرت وجود خلايا داخل الجيش مستعدة للانحياز لأجندات نتنياهو السياسية على حساب ولاءهم للمؤسسة العسكرية. ومما زاد الأمور تعقيدًا هو دور الإعلام، حيث تم تسريب معلومات استخباراتية سرية من شعبة الاستخبارات إلى وسائل الإعلام، مما زاد من تدهور العلاقات بين الحكومة والجيش.
التسريب الذي حصل على معلومات بخصوص حماس واستعدادها لتبادل الأسرى كان له أهداف محددة: إظهار تخاذل القيادة العسكرية، ومساس بصورة نتنياهو. هذه المعلومات الغير دقيقة عن موقف حماس كان الغرض منها تشويه الحقائق وخلق حالة من الإرباك في أوساط الجمهور الإسرائيلي وعائلات المخطوفين. ومع استمرار الضغط الشعبي على الحكومة لاستئناف العمليات من أجل الإفراج عن الأسرى، برزت تأكيدات بأن المسؤولية عن جمود الاتصالات تقع على عاتق قادة حماس، وأنا في تراجع نتنياهو أمام الضغوط.
الباحثون والكتاب العسكريون في إسرائيل، مثل عاموس هارئيل ورونين بيرغمان، أعربوا عن قلقهم من إضعاف حكوماتهم لدى مواطنيهم، حيث اعتبروا أن تأخير المفاوضات يشير إلى سوء الإدارة وثغرات جسيمة في الحكومة. وقد اعتبرت المعلومات المسربة عن حماسوالتسريبات التي نشرتها وسائل الإعلام الأجنبية سببًا في الهجوم على سمعة الجيش، مما جعل ضغوطًا جديدة تتصاعد على الحكومة. تعمد دفع المسؤولية تجاه قادة الجيش يشير إلى استخدام نتنياهو للمعلومات لتحقيق مصالحه السياسية، إذ يسعى إلى تقليل تأثير الأحداث التي وقعت في 7 أكتوبر على شعبيته.
أما عن الاستنتاجات، فقد بات السؤال مهمًا حول كيفية تطور الأحداث نحو تحقيقات أمنية وجنائية أسفرت عن اعتقال مقربين من نتنياهو، وهو الأمر الذي أسفر عن لبنان الأزمات. التركيز ليس فقط على أهمية المعلومات المسروقة، بل الأخطار التي قد يمثلها كشف المصادر الحقيقية في الشؤون الأمنية، وذلك مما يؤكد على انعدام الثقة الذي يسود بين أجهزة الدولة. خطورة القضية تتطلب تدخلًا سريعًا لمنع تفاقم الأوضاع السياسية، وهو ما يشكل تحديًا حقيقيًا لأمن الدولة.
على الرغم من ذلك، يعتنق العديد من المراقبين نظرة تفاؤلية فيما يخص قدرة نتنياهو على البقاء في السلطة، إذ أن استمراره في اللعبة السياسية لا يزال يُعتبر أمرًا يمكن تحقيقه في ظل تزايد الأزمات المتعاقبة. وفي سياق ذلك، تبقى الملفات المعلقة في يديه، وفي الوقت نفسه تظل معركة الرد على الانتقادات سيدة الموقف، مما يجر البلاد إلى دوامة من التحولات التي قد تؤثر على مستقبل الحكومة وأمن الإسرائيليين.