في الآونة الأخيرة، تمثل التعاون الروسي الصيني في منطقة القطب الشمالي محور اهتمام متزايد، حيث تلقي الإدارة الأميركية الضوء على المخاوف الناتجة عن تعزيز هذا التعاون، والذي بدأ يمتد ليشمل في بعض جوانبه المجال العسكري. وقد أشار السفير الأميركي لشؤون القطب الشمالي، مايكل سفراجا، إلى أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب زيادة تعقيد الأنشطة العسكرية بين روسيا والصين في هذه المنطقة الاستراتيجية. كما تسلط التصريحات الأميركية الضوء على قلق أكبر بخصوص التنسيق بين البلدين في مجالات متعددة، بما في ذلك الاقتصاد والتجارة، والذي يمكن أن يعتبر التفافاً على العقوبات الدولية المفروضة على روسيا.
تزايدت المخاوف الأميركية خاصةً بعد المناورات العسكرية الكبرى التي أجرتها روسيا في سبتمبر/أيلول الماضي والتي تعتبر إحدى أكبر المناورات منذ ثلاثين عامًا، وتمت بمشاركة سفن حربية صينية. هذه المناورات اعتبرت بمثابة رسالة واضحة من البلدين لتعزيز التعاون العسكري ولإظهار الاستعداد لمواجهة النفوذ الأميركي المتزايد في المنطقة. ومع ذلك، يرى بعض الباحثين أن تأطير التعاون الروسي الصيني كتهديد هو مجرد خطوات استباقية من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، تهدف إلى عسكرة منطقة خطوط العرض الشمالية.
وعلى الرغم من تلك المخاوف، يشير الخبير الاقتصادي فياتشيسلاف بريكودين إلى أن القطب الشمالي ليس أولوية قصوى بالنسبة للصين، حيث تمتد مصالحها إلى مناطق أخرى تتمتع بإمكانيات استثمارية أكبر. ويعتقد أن المناخ القاسي في القطب الشمالي يجعل هذه المنطقة غير مواتية اقتصاديًا في المستقبل القريب، مما يقلل من أهمية وجود الصين فيها. كما يعتبر أن الموارد الطبيعية في القطب الشمالي ليست فريدة بالمقارنة مع مناطق أخرى، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان اعتبارها مركزاً استراتيجياً للصين.
ومع ذلك، يعتبر بريكودين أن التعاون بين روسيا والصين في القطب الشمالي ضروري، حيث يتطلب العمل في هذه المنطقة المعقدة التنسيق بين الدولتين. وأكد أن هناك حاجة لتطوير المصالح المشتركة في القطب الشمالي، لا سيما في مشاريع النفط والغاز، بينما الفكرة السائدة هي أن كل بلد يسعى لتعزيز مصالحه الخاصة، مما قد يؤثر على توازن التعاون. وبالتالي، فإنه من غير المحتمل أن يتحول التفاعل بين البلدين إلى تحالف عسكري متماسك في المستقبل القريب.
وفي السياق نفسه، أوضح الباحثون أن التنسيق المتزايد بين روسيا والصين في القطب الشمالي قد يثير قلقًا أكبر في الأوساط الغربية، حيث يعكس رؤية متباينة لهذه المنطقة. فمن جهة، تسعى روسيا للحفاظ على سيطرتها في المناطق الشمالية، بينما تؤكد الصين على أهمية هذه المنطقة كتراث للبشرية. ويعكس هذا الاختلاف رؤية كل دولة لمصالحها، حيث أن التوافق الكامل في الاستراتيجيات لا يبدو قابلاً للتحقيق.
وفي نهاية المطاف، بالكاد يمكن اعتبار القطب الشمالي ساحة لصراع عسكري بين روسيا والصين، وبدلاً من ذلك، يمكن أن يكون مركزًا لتعاون اقتصادي مهم. ومع استمرار التوترات بين القوى العظمى، تبقى النظرة المستقبلية غير واضحة، حيث أن قرارات كل دولة ستستند على اعتبارات مصلحتها الذاتية، مما يهدد قدرة الجانبين على تشكيل استراتيجية مشتركة متوازنة تعزز الاستقرار في المنطقة المعقدة والمنطقة المحتملة للاحتكاك الدولي.