تستمر تركيا في جهودها لحل الأزمة الممتدة بين الصومال وإثيوبيا، بعد أن رعت لقاءين سابقين بين الطرفين لم تؤدِّ إلى نتائج حاسمة حتى الآن، بينما تم إلغاء الجولة الثالثة التي كانت مقررة في سبتمبر الماضي. يظهر اهتمام أنقرة بهذه القضية من خلال علاقاتها القوية مع الأطراف الأفريقية المختلفة، حيث تسعى إلى استخدام هذه الروابط لتعزيز الاستقرار في المنطقة. وفي مؤتمر “المراجعة الوزاري الثالث للشراكة التركية الأفريقية” الذي انعقد في جيبوتي، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن هناك محاولات لطرح حل شامل للنزاع، يتضمن تطوير اتفاق إطاري جديد يتناسب مع احتياجات كلا البلدين.
يشار إلى أن الاتفاق الإطاري المقترح يتطلب معالجة التحديات التاريخية بين إثيوبيا والصومال، مع ضرورة استجابة القادة السياسيين هناك للمتغيرات الحالية. ويركز جوهر الاتفاق على اعتراف غير مشروط بسيادة الصومال، وضمان وصول إثيوبيا إلى البحر بطرق سلمية ومستدامة، وهو أمر مهم للاقتصاد الإثيوبي، حيث تمثل التجارة البحرية عصباً رئيسياً لدولة غير ساحلية مثل إثيوبيا. وفي ضوء ذلك، تم إجراء محادثات بين فيدان ونظيره الجيبوتي لتعزيز فرص التعاون وتطوير أفكار تدعم هذه المبادرة.
التوترات بين مقديشو وأديس أبابا تصاعدت مؤخراً بعد أن قامت الحكومة الصومالية بطرد دبلوماسي إثيوبي بارز بتهمة التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. وأشارت الخارجية الصومالية إلى أن تصرفات الدبلوماسي تُعد خرقاً للاتفاقيات الدولية، وهو ما يشير إلى تفاقم الأزمات بين البلدين. ويرتبط النزاع بمذكرة تفاهم وقعتها إثيوبيا لاستئجار ميناء في منطقة أرض الصومال “الانفصالية”، الأمر الذي يعتبره الصومال انتهاكاً لسيادته، مما يزيد من حدة التوتر.
من جهة أخرى، يعتبر الباحثون أن تركيا تلعب دور الوسيط المحايد بين الصومال وإثيوبيا نظرًا لثقة الطرفين بها. وتبني الوساطة التركية على ثلاثة محددات رئيسية: الأول هو تغليب الحلول الدبلوماسية، والثاني هو الحفاظ على سيادة الصومال، والثالث هو التوصل إلى تسوية تلبي تطلعات كلا الجانبين. ويشير المحللون إلى أن رغبة الطرفين في التسوية تُعدّ أساسية، مما يجعل جهود أنقرة في هذا الاتجاه أكثر ضرورة في ظل الظروف الراهنة.
دوافع تركيا وراء الوساطة تشمل تعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي كوسيط استقرار، بالإضافة إلى الحفاظ على علاقاتها الطيبة مع الطرفين ومنع أي تصعيد للنزاع. كما أن نجاح تلك الوساطة سيساعد أنقرة على تحسين صورتها كوسيط سلام في أفريقيا. وفقًا للمحللين، فإن استقرار المنطقة يسهم أيضًا في تقليل المخاطر الأمنية وفتح مجالات جديدة للتعاون الإقليمي.
فيما يتعلق بالتحديات، تعتبر حالة انعدام الثقة بين أديس أبابا ومقديشو من أبرز العقبات التي تعترض جهود الوساطة التركية، حيث تعود هذه الحالة إلى طموحات إثيوبيا في المنطقة. وبسبب تعدد الأطراف المعنية في النزاع، تسعى تركيا إلى توسيع نطاق اتصالاتها لتشمل دول مثل مصر وجيبوتي وكينيا وقطر والإمارات والولايات المتحدة، وذلك لضمان دعم إقليمي ودولي واسع. يدرك القائمون على الوساطة أن تلك الجهود ضرورية لتعزيز فرص النجاح في حل النزاع وتحقيق الاستقرار في القرن الأفريقي.