بعد مرور 18 شهراً على نشوب الصراع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، لا يزال الوضع السياسي متأزماً ولم يحدث أي تغيير جذري في خريطة القوى السياسية. تحذر العديد من المراقبين من أن هذا الاستقطاب والانقسام قد يؤديان إلى استمرار الحرب لفترة أطول وتعزيز النظام العسكري الشمولي. وقد تدهور الموقف بعد توقيع اتفاق الإطار في ديسمبر 2022 بين بعض الأطراف السياسية والمدنية، إلا أن الجيش رفض التوقيع على الاتفاق النهائي، مما أسفر عن تباين المواقف وتبادل الاتهامات، حيث ألقى قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، باللوم على الاتفاق كسبب رئيسي لاندلاع القتال.
وفي أكتوبر 2023، اندمجت قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي في تحالف جديد مع قوى مدنية، مما أدى إلى تشكيل تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، التي اختارت رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك رئيسا لها. ورغم محاولته إعلان الحياد والقيام بوساطة لوقف الحرب، أثار التحالف الجديد جدلاً واسعاً بعد توقيع حمدوك و”حميدتي” إعلان مبادئ في أديس أبابا. من جهة أخرى، دعمت كتل سياسية أخرى الجيش، بما في ذلك قوى الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية وقوى التراضي الوطني، مع وجود تكتلات سياسية أخرى تدعو لتغييرات جذرية.
مع تفاقم الأزمة، دعت القاهرة لعقد مؤتمر في يوليو 2023 بهدف إيجاد حلول وإيقاف الحرب، حيث شاركت فيه الغالبية من الأطراف المتنازعة، لكن بعض التيارات عبرت عن تحفظاتها. بعد ذلك، دعا الاتحاد الأفريقي إلى مؤتمر آخر في أديس أبابا ناقشوا فيه التحضير للعملية السياسية، لكن قوى “تقدم” قاطعت الاجتماع بسبب اختلاف المواقف. يتفق معظم المراقبين على أن تعثر الوساطة ورفض أطراف الحرب خيار التفاوض أدى لإغلاق الأفق السياسي، مما يبقي الخيارات العسكرية قائمة.
يؤكد المتحدث باسم تنسيقية “تقدم” أن الحلول السياسية تتطلب حواراً يعتمد على رؤية وطنية موحدة، مع التأكيد على ضرورة حماية المدنيين وفتح ممرات للمساعدات الإنسانية. لكن في ظل الاستقطاب الحالي، يصعب الوصول إلى توافق سياسي، حيث يتمسك بعض الأطراف بتعريف الحرب كتهديد خارجي، مما يجعلهم يرون في الحل الاستمرار في القتال. ولتحقيق السلام، يحتاج السودان إلى كيان سياسي مدني بإجماع واضح.
على الجانب الآخر، يرى المتحدث باسم قوى الحرية-الكتلة الديمقراطية أن الانسداد الحالي يعود لاختلافات داخل القوى المدنية حول طبيعة الحرب، وكذلك يحمّل المسؤولية للمجموعات التي تدعم الدعم السريع. يشير إلى أن التفاهم قد يكون ممكناً إذا نصحت القوى السياسية بوضع مصلحة الوطن فوق مصالحها الضيقة، مع التركيز على إنهاء الحرب كأولوية قصوى.
في تحليل شامل للوضع، يعتقد الكثير من الخبراء أن عدم القدرة على التحرك الفعّال والاستجابة للأحداث يعد من الأسباب الرئيسية للأزمة المستمرة. وفي ظل استمرار الانقسام، قد تكون فرص التوصل إلى توافق وطني ممكنة إذا تم تبني رؤية مشتركة تهدف لبناء دولة جديدة قائمة على مبادئ واضحة، بما في ذلك مؤسسات ديمقراطية سليمة. بما أن التوافق يتطلب تفهم ودعم الجميع، فإن التركيز على إنهاء النزاع يصبح قضية مصيرية لضمان سلامة واستقرار السودان.