في ظل الأوضاع المتوترة التي تشهدها فلسطين وخصوصاً في القدس المحتلة، تقوم الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو بتنفيذ سياسات تشريعية مُعادية لفلسطينيي الـ48، تحت شعار “طوفان الأقصى”. هذا التوجه تمثل في إصدار قوانين عنصرية تهدف إلى استهداف وجود الفلسطينيين في المناطق التي تشرف عليها إسرائيل، بما في ذلك مشروع قانون جديد يُحظر ترشيحهم والتصويت لهم، اعتماداً على مزاعم دعمهم للكفاح الفلسطيني. يعتبر هذا التشريع جزءاً من سلسلة من القوانين العنصرية التي تستهدف الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين، حيث تُشرع الحكومة قانونًا يُعتبر بمثابة استهتار بالحقوق التي يُفترض أن تكفلها المواطنة في سياق نظام سياسي يدّعي الديمقراطية.
الحكومة الإسرائيلية استخدمت الأغلبية البرلمانية للائتلاف الذي يضم 61 صوتًا لصالح القانون، بينما عارضه 35 نائبا من بينهم أعضاء حزب “هناك مستقبل” بقيادة يائير لبيد. هؤلاء عارضوا القانون ليس فقط بسبب استهدافه للحقوق الفلسطينية، ولكن أيضًا لأنه يتضمن مواد تحد من صلاحيات المحكمة العليا، مما قد يُقوّض من استقلالية الجهاز القضائي. من الجدير بالذكر أن كتلة “المعسكر الوطني” برئاسة بيني غانتس أعلنت عن امتناعها عن التصويت، إذ اعتبروا القانون جزءًا من مخطط أكبر لإضعاف جهاز القضاء، وعزموا على تقديم مشروع قانون مشابه ولكن مع تحفظات على المساس باستقلالية القضاء.
مشروع القانون الجديد، الذي يقدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود أوفير كاتس، يسعى إلى تعديل المادة (7 أ) من القانون الأساسي ليعطي الصلاحية للأحزاب السياسية الإسرائيلية بمنع ترشح الفلسطينيين استناداً لادعاءات “الإرهاب”. النقطة الأبرز في هذا السياق هي سحب صلاحيات المحكمة العليا من التدخل بقرارات حظر الترشح، مما سيؤدي إلى تغييرات جذرية في الطريقة التي تُحدد بها المشاركة السياسية للفلسطينيين. يعتبر العديد من الفلسطينيين أن هذه القرارات تهدف إلى تقويض مواطنتهم وتصويرهم كمواطنين غير شرعيين في بلدهم.
يسلط الناشط الحقوقي رضا جابر الضوء على ما يعتبره “إبادة سياسية” تهدف إلى نزع الشرعية عن الفلسطينيين وحصر مشاركتهم في الحياة السياسية. وفق جابر، فإن مشروع القانون يلغي أي حق في استئناف قرارات حظر الترشح ويجعل الأحزاب اليمينية المسيطرة تساهم في تقويض حقوق المواطنين العرب. كما أن غياب الاستجابة الواضحة من قبل أحزاب المعارضة يُظهر توافقًا عامًا في الكنيست بشأن هذه القوانين، بما يعكس تحولًا جوهريًا في مفهوم المواطنة، خصوصًا بعد الحرب على غزة، إذ ينظر إلى فلسطينيِّ 48 الآن كأعداء بلا حقوق.
من جانبه، أشار يوسف جبارين، النائب السابق في الكنيست، إلى أن هذه التشريعات العنصرية تأتي في سياق تشريع شامل يستهدف فلسطينيي الـ48، حيث تستفيد الحكومة من الدعم الواسع في الكنيست لتتمرير القوانين دون معارضة. وهو ما يعكس الحالة السياسية المتأزمة التي يعيشها الفلسطينيون في الداخل، بغض النظر عن التوجهات المختلفة لأحزاب المعارضة. هذا الجانب يتماشى مع استراتيجية أحزاب اليمين المتطرف الرامية إلى الإبقاء على السيطرة السياسية والاجتماعية عليهم والتأثير على منح الحكومة صلاحيات مطلقة في قراراتها.
تأتي هذه القوانين في ظل حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في الساحة السياسية، حيث تُستغل الأزمات الخارجية، مثل الوضع في غزة ولبنان، لتشريع قوانين تتجاوز الضوابط الأخلاقية والقانونية. ويُظهر جبارين أن الهدف ليس فقط تجريم العمل السياسي للفلسطينيين، بل هو أيضاً منع الأحزاب العربية من الظهور بشكل يحافظ على قوتها السياسية. هذه الديناميكية تهدد بالشكل والمضمون حقوق الفلسطينيين في الداخل، ما يجعل مستقبلهم السياسي تحت خطر حقيقي.
خلاصة الأمر، إن مشروع القانون الذي يُحظر الترشح والتصويت للفلسطينيين يعكس سياسة إدارة إقصائية تُنزع فيها الشرعية عنهم، وبالتالي تسلبهم حقوقهم السياسية والإنسانية. وقد سُلب أي مظهر من مظاهر المشاركة الفعلية في القرار السياسي، مما يُعتبر تهديدًا لمفهوم المواطنة الذي يزعمه النظام. هذه الإجراءات تأتي لتبث الرعب بين الفلسطينيين وتزيد من تفاقم مظاهر التمييز العنصري، في إطار محاولة مستمرة من الحكومة الإسرائيلية لتقليص مساحة وجود الفلسطينيين في مشهد الحياة السياسية.