في ظل الظروف المأساوية التي شهدها قطاع غزة، تواجه العديد من العائلات تحديات قاسية نتيجة النزوح والاعتقالات التعسفية. تحكي قصة عبير نصر الله، التي أجبرت على النزوح مع أطفالها الأربعة وزوجها نعيم، عن لحظة مرعبة حين تم استدعاء الرجال عند حاجز عسكري إسرائيلي وتم اقتيادهم إلى حفرة كبيرة. مع مرور الوقت، بدأ أملها في عودة زوجها يتلاشى تدريجياً، لتواجه واقع غامض حول مصيره، حيث تجد نفسها مضطرة للخروج من منزلها في تل الزعتر بحثاً عن الأمان وسط العدوان الإسرائيلي الذي شهدته المنطقة.
تدور المأساة حول فقدان الرجال والنزوح المستمر الذي عانت منه العائلات الفسطينية. عائلة عبير كانت واحدة من العديد من الأسر التي دفعت ثمن العدوان، حيث اعتبر الحاجز العسكري مصيدة للعديد من الرجال الذين تم اعتقالهم، مما أدَّى إلى تشتيت الأسر وزيادة معاناتهم. شهدت الطفلة كوثر الدحنون، البالغة من العمر 14 عاماً، نفس التجربة المؤلمة عندما تم اعتقال والدها وعمها أثناء محاولتها نقل جدتها المقعدة عبر الحاجز إلى مدينة غزة، فوجدت نفسها مع والدتها في خيمة مؤقتة، تنتظر لم شمل أسرتهما المشتتة.
فايز المصري، والذي فقد ابنه عمر في أحد الاعتقالات، يعكس بوضوح الألم الذي تشعر به العائلات الفلسطينية، حيث كان ابنه من بين 600 شخص اعتقلوا منذ بدء العدوان. ومع تعنت الاحتلال في توفير معلومات حول المعتقلين، أصبح الجنود يمثلون تهديداً كبيراً للعائلات، لا سيما أن فايز يعيش قلقًا دائمًا حول مصير ابنه وما قد يتعرض له من تعذيب.
تتراكم قصص الألم في أذهان النازحين، كما في حالة هاني الدريني، الذي شهد اعتقال ثلاثة من أبناء أعمامه في لحظة فوضوية. هاني، الذي أوحشته تلك التجربة، عاش لحظات من الرعب والخوف أثناء القصف المتواصل في منطقة مشروع بيت لاهيا، مما يضيف بعداً جديداً لمأساة النزوح والعنف الذي يعاني منه سكان الشمال.
ما يفاقم الأزمة هو اتجاه الاحتلال إلى استخدام أسلوب الإخفاء القسري، حيث يخفي العديد من المعتقلين ويعرضهم لمعاملة قاسية دون أي معلومات واضحة عن أماكن احتجازهم. يؤكد رامي عبده، من المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن تقديرات عدد المعتقلين منذ بداية الهجوم بلغت الآلاف، حيث يتم توثيق حالات تعذيب خطيرة تمس كرامة الإنسان.
تستمر المعاناة رغم محاولات نقل الاعتداءات العسكرية إلى مكان آخر، حيث تظل الظروف الإنسانية تتدهور بشكل ملحوظ. الأرقام التي يوثقها المرصد تشير إلى قتل بعض المعتقلين والتعذيب الجسيم الذي يتعرض له السجناء، مما يضع مأساة سكان غزة في قائمة المعاناة الإنسانية التي تحتاج إلى تعاطف عالمي للاستجابة السريعة وتحقيق العدالة. تظل هذه القصص تجسيدًا لحياة يملؤها الألم والقلق، حيث ينتظر كثيرون الأمل في لم شملهم مع أحبائهم الغائبين.