في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تمكنت حكومة باكستان بقيادة رئيس الوزراء شهباز شريف من تمرير حزمة من التعديلات الدستورية بعد شهور من الجدل مع المعارضة. تمثل هذه التعديلات التعديلات الثانية والعشرين منذ صدور الدستور عام 1973، وقد تمّت الموافقة عليها خلال جلسة استثنائية للبرلمان، حيث حصلت على دعم من 65 عضواً في مجلس الشيوخ و225 عضواً في الجمعية الوطنية، مما يضمن توافر أغلبية الثلثين اللازمة لتعديل الدستور. ورغم مقاطعة حزب حركة الإنصاف المعارض بقيادة عمران خان، فقد صوت أربعة من أعضائه لمصلحة التعديلات، مما زاد من حدة الجدل حول تأثير هذه التعديلات على مستقبل السياسة والقضاء في البلاد.
تركز التعديلات على إعادة هيكلة السلطة القضائية في باكستان، حيث تم تعيين رئيس المحكمة العليا عبر لجنة برلمانية خاصة، وهو تغيير يهدف إلى إنهاء العرف السابق الذي كان يُعين فيه القاضي الأقدم تلقائياً رئيساً للمحكمة بعد تقاعد رئيسها. تُعبر الحكومة عن ارتياحها لهذه التعديلات، مشيرة إلى أنها تعزز من دور البرلمان كأعلى سلطة في البلاد وتحد من التدخلات السابقة للسلطة القضائية في شؤون الحكم، بينما تعبر المعارضة عن قلقها من أن هذه التعديلات ستقوض استقلالية القضاء وتجعله تحت رحمة الحكومة.
دفاعاً عن التعديلات، أوضح شهباز شريف أنها ضرورية لضمان الاستقرار الدستوري والتشريعي في باكستان، بينما فتحت موجة من الانتقادات من قبل الأحزاب المعارضة، التي اعتبرت تلك التعديلات تهديدًا لاستقلال القضاء. واعتبر زعيم المعارضة أن هذه التعديلات تمس بجوهر الديمقراطية، مشيراً إلى أن ذلك اليوم كان “يومًا أسود” في تاريخ باكستان الدستوري. وقد جاءت هذه التعديلات في وقت حساس، حيث اقترن التغيير برغبة الحكومة في التأثير على القرارات القضائية قبل تقاعد رئيس المحكمة.
التعديلات الدستورية تضمنت أيضاً إنشاء لجنة قضائية مؤلفة من قضاة وأعضاء من البرلمان لتولي تعيين القضاة الجدد، مما زاد من المخاوف من إمكانية تدخل الحكومة في شؤون القضاء. الكثير من المحامين ورجال القانون انتقدوا هذه الخطوة، مبدين قلقهم من أنها قد تؤدي إلى خضوع النظام القضائي لرغبات الحكومة السياسية، وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا على استقلالية السلطة القضائية في باكستان.
بالإضافة إلى ذلك، حظيت التعديلات بانتقادات دولية، حيث أعرب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة عن قلقه من تأثيرات هذه التعديلات على استقلال القضاء وضرورة توافق الإصلاحات الدستورية مع حقوق الإنسان. ومنظمات حقوقية عالمية وصفن التعديلات بأنها تهديد كبير لاستقلال القضاء وحماية حقوق الإنسان. هذا يعكس القلق الدولي من أن التغييرات قد تؤدي إلى تفشي النفوذ السياسي على السلطة القضائية، مما يعيق عملها كضمان للحريات العامة.
بعد فترة وجيزة من إقرار التعديلات، أوصت اللجنة البرلمانية بتعيين القاضي يحيى أفريدي رئيسًا للمحكمة العليا، وذلك بعد تساؤلات حول كيفية تأثير هذه التعديلات على سياسات الدولة في المستقبل. رغم الآمال بأن يقلل ذلك من الانقسامات السياسية في البلاد، يبقى هناك قلق مستمر من أن يتم استخدام هذه التعديلات بشكل سيء لتحقيق الأجندات السياسية للحكومة، مما قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على استقرار وأمن باكستان في المستقبل.