أقر دستور الولايات المتحدة مبدأ الحرية الدينية كحق أساسي للمواطنين، مما يمثل أحد القيم المحورية للعلمانية الأميركية التي تفصل بين الدين والدولة. إلا أن نقاشات واحتكاكات بشأن العلاقة بين الدين والدولة ظهرت عبر التاريخ الأميركي. وبالرغم من عدم تحديد الديانات في النص الدستوري، حاولت أيديولوجية “القومية المسيحية” تعزيز فكرة أن أميركا هي أمة للمسيحيين فقط، مما يعكس تباين الآراء حول معنى الحرية الدينية. إذ أن هذه القومية تهدد التعديل الأول من الدستور، مما يؤدي إلى تمييز ضد الأقليات الدينية والأشخاص غير المتدينين، وإلى تأجيج الصراعات والعنف في بعض الأحيان.
المسيحية القومية ليست بالضرورة دينية بحتة، بل تعكس هوية ثقافية وسياسية. إذ تشير الخبيرة أماندا تايلر إلى أن القوميين المسيحيين يعتمدون على تصورات معادية للمهاجرين ويمجدون فكرة تفوق الجنس الأبيض. كما أن ما يطلق عليه “اليمين الديني” يستغل هذه الأيديولوجية لتبرير سلوكيات تمييزية. ومع ظهور قيادة مثل ترامب، أصبحت هذه القيم أكثر وضوحاً، حيث كان ترامب يعلن من خلال خطاباته دعمه للقوميين المسيحيين ويعدهم بحمايتهم من “التحيز ضد المسيحيين”، وقد حازت آراءه على تأييد واسع من الناخبين البروتستانت الإنجيليين.
استطلاعات الرأي الأخيرة تكشف عن زيادة خطيرة في دعم الأميركيين المتدينين للاستخدام المفرط للعنف السياسي. أظهرت دراسة أجراها معهد أبحاث الدين العام بالتعاون مع معهد بروكينغز أن نحو 30% من الأميركيين يدعمون القومية المسيحية. الشريحة المتعاطفة مع هذا الفكر تعتبر أن الحكومة يجب أن تعلن أميركا أمة مسيحية، وأن القيم المسيحية يجب أن تكون مرجعية للقوانين. بينما على الناحية الأخرى، يعارض ما يقارب ثلثي الأميركيين هذا الاتجاه.
الكثير من الأميركيين يرون أن الديمقراطية في خطر، حيث يعتقد 75% أن الحالة الديمقراطية تتعرض للتهديد. و23% من المستجيبين يرون أن “الوطنيين الأميركيين الحقيقيين” قد يضطرون إلى اللجوء للعنف كسبيل لإنقاذ الوطن. هذه المخاوف ترتبط بالاستقطاب السياسي الحاد في البلاد، حيث يظهر أن أولئك الذين يؤمنون بأن الانتخابات سُرقت هم أكثر ميلاً لتأييد العنف. القواعد الأيديولوجية التي تنشرها هذه المجموعات تثير قلقًا كبيرًا بشأن استقرار المجتمع الأميركي.
النظرة القومية المسيحية تعكس تصورًا يقدس أميركا كمكان مخصص للمسيحيين الأوروبيين، حيث يرى 33% من الأميركيين أن الله منحهم هذه الأرض لبناء مجتمع مثالي. هذه الفكرة تتوافق مع رؤية ترامب حول استعادة القوة المسيحية البيضاء في السياسة الأميركية وهو ما يُعزز من الروح العنيفة بهذه الحركة. كما تزداد مشاعر الاستياء والأزمات الثقافية عند هذه الجماعات، مما يُعزز الحاجة للعودة إلى نمط حياة يُعتبر أكثر تقليدية.
إذا واصلنا استكشاف هذه الأيديولوجية، فإننا نصادف أنها تتعارض مع المبادئ الديمقراطية، إذ يدعم أتباع القومية المسيحية علاقات متشابكة من العنصرية ومعاداة الأجانب. يُلاحظ أن القوميين المسيحيين أكثر عرضة للاعتقاد بأن العنف قد يكون مبررًا لتغيير الوضع القائم، مما يعكس اضطرابًا اجتماعيًا متزايدًا في البلاد. هذا ينذر بتحولات ديمقراطية غير مستدامة ويجعل من الصعب الحفاظ على التنوع الديني والثقافي الذي يعتبر جزءًا أساسياً من الهوية الأميركية.