في تحول حاسم للمشهد السياسي في جورجيا، تنطلق غدًا الانتخابات البرلمانية التي تحمل أهمية استراتيجية تتعلق بمسار السياسة الخارجية للدولة، بين الخيارين المتاحين: الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو التقارب مع روسيا. تأتي هذه الانتخابات وسط أجواء متوترة، حيث يعاني المجتمع الجورجي من انقسام واضح بين الخوف من النزاع والتطلع نحو الحرية والانفتاح الغربي. هذه الظروف تعكس الاستقطاب الحاد الذي تعيشه البلاد في ظل التوترات الإقليمية والتغيير السريع للمواقف السياسية.

تواجه جورجيا تحديات كبيرة تمثل في مجموعة من القوانين التي أقرها الحزب الحاكم “الحلم الجورجي”، والتي يرى المعارضون أن هدفها هو تعزيز النفوذ الروسي على حساب العلاقة مع الغرب. فقد أدت قوانين مثل “العملاء الأجانب” و”شفافية النفوذ الأجنبي” إلى انتقادات شديدة من الدول الغربية واحتجاجات شعبية واسعة. وقد اعتُبرت القوانين جزءًا من استراتيجية الحكومة لتعزيز السيطرة الداخلية وقمع الأصوات المعارضة، مما أسفر عن تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

الانتخابات الحالية تتميز بأنها الأولى التي ستجرى بنظام النسبي بنسبة عالية، حيث يُتوقع أن يصوت نحو 90% من الناخبين عبر الأجهزة الإلكترونية. وسيتم توزيع المقاعد البرلمانية البالغ عددها 150 مقعدًا بناءً على النتائج، ما يفرض على الأحزاب تشكيل ائتلافات إذا لم يتمكن أي حزب من الحصول على الأغلبية. تشارك في الانتخابات عدة أحزاب رئيسية، منها الحزب الحاكم وأحزاب معارضة تسعى للدفاع عن سياسات الانفتاح الأوروبي، مما يزيد من حدة المنافسة وتلاحم المصالح المختلفة.

تعد هذه الانتخابات اختبارًا حقيقيًا لحزب “الحلم الجورجي” الحاكم في ظل انتقادات شديدة من المعارضة التي عمدت إلى تنظيم مسيرات تحت شعار “جورجيا تختار الاتحاد الأوروبي”. هذه المسيرات تمثل تعبيرًا عن رغبة شريحة واسعة من الجورجيين في الحفاظ على العلاقات القوية مع الغرب. من جهة أخرى، يتهم الحزب الحاكم المعارضة بأنها تسعى إلى زعزعة الاستقرار في البلاد من خلال وضعها كأدوات بيد القوى الغربية، مما يزيد من تعقيد المناخ الانتخابي.

نتائج استطلاعات الرأي تشير إلى تباين كبير بين دعم الحزب الحاكم والمعارضة، مما ينذر باحتمالية تغيير في التوجهات السياسية. بينما تظهر بعض الاستطلاعات تفوقًا واضحًا لـ”الحلم الجورجي”، تقدم أخرى بيانات تدعم المعارضة بشكل أكبر. هذه الفجوة بين التوقعات تعكس الصراعات الداخلية والتوترات الناتجة عن القوانين الجديدة وتوجهات الحكومة، وهي ربما تتسبب في تدخلات من الجانبين لتوجيه نتائج الانتخابات لصالحهما.

مع انتهاء ولاية الرئيسة الحالية في ديسمبر المقبل، تندلع معركة جديدة حول من سيتولى الرئاسة، حيث سيتعين على المرشح الفوز بإجماع هيئة انتخابية تضم 300 مندوب. هذا الانتقال يساهم في تعميق الفجوة بين السلطة والمعارضة، حيث تستمر المعركة حول الحقوق السياسية والمطالبات بالشفافية في العملية الانتخابية. وفي ظل كل هذه التحديات، تبقى نتائج الانتخابات المترقبة مصيرية لمستقبل جورجيا في خضم تطورات إقليمية ودولية متسارعة.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.