تتواصل عملية انسحاب قوات حفظ السلام الروسية من أرمينيا، ومن المقرر أن تنتهي بحلول الأول من يناير/كانون الثاني المقبل. بدأت هذه العملية في أبريل/نيسان بعد إعلان متحدث الرئاسة الروسية عن ضرورة الانسحاب في ظل التغييرات الجديدة في إقليم ناغورني قره باغ، خصوصًا بعد اعتراف أرمينيا بحدود أذربيجان. كانت الأحداث الحاسمة وراء هذا القرار تشمل الهجوم السريع الذي شنته أذربيجان في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي أنهى حوالي 30 عامًا من الانفصال وأدى إلى نزوح جماعي للسكان الأرمن إلى أرمينيا. انتقد رئيس الوزراء الأرميني موسكو لعدم قدرتها على وقف الهجوم الأذربيجاني، مما يزيد من تصاعد التوتر بين البلدين.

قوات حفظ السلام الروسية، التي تم نشرها بعد اتفاق ثلاثي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كانت تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار في الإقليم. هيمنت هذه القوات على خطوط التماس وعلى ممر لاتشين الرابط بين ناغورني قره باغ وأرمينيا. ومع السيطرة الكاملة على الإقليم من قبل أذربيجان، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إغلاق مراكز المراقبة التابعة لها في المنطقة. ورغم انسحاب قوات حفظ السلام، لا تزال روسيا تحتفظ بوجود عسكري في المناطق الحدودية بين أرمينيا وكل من تركيا وإيران، مما يشير إلى استمرار أهمية المنطقة في الاستراتيجية العسكرية الروسية.

مع قرب انتهاء وجود القوات الروسية، تثار تساؤلات حول الأبعاد الاستراتيجية لهذا الانسحاب وتأثيره على النفوذ الروسي في المنطقة. الغرب وحلف الناتو ينظرون إلى أرمينيا كفرصة لتعزيز وجودهم في جنوب القوقاز، مما يمكن أن يؤثر سلبًا على مصالح روسيا هناك. يُنظر إلى انسحاب القوات الروسية على أنه ضعف لموسكو، لكن بعض الخبراء يرون أن السيطرة على ممر زنغزور قد تعوض عنها، مشيرين إلى ضرورة وجود توازن بين القوي الإقليمية مثل إيران. التحركات السياسية بين روسيا وإيران تعكس تعقيد العلاقات الإقليمية، حيث تركز طهران على منع أي مشروع يمكن أن يهدد نفوذها.

أيضًا، يُظهر الانسحاب الروسي اختلافات استراتيجية بين القوى الغربية وموسكو في التعاطي مع قضايا القوقاز. من جهة، تسعى دول مثل فرنسا لتعزيز نفوذها في أرمينيا من خلال دعم الجيش الأرميني، بينما روسيا تواجه تحديات في الحفاظ على وجودها في هذه المنطقة التاريخية. يشير الخبير دينيس كركودينوف إلى أن انشغال الغرب بتحقيق مصالحه في أرمينيا قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط على موسكو، مما قد يعقد الوضع الإقليمي. مع ذلك، تظل النقاشات مستمرة بشأن كيفية إدارة العلاقات بين أرمينيا وأذربيجان، خاصةً في ظل تغيرات الوضع السياسي.

التحولات الجيوسياسية المرتبطة بانسحاب القوات الروسية تعكس واقعًا جديدًا في القوقاز. تُظهر أرمينيا اهتمامًا متزايدًا بالتقارب مع القوى الغربية، في وقت يُعد فيه الانسحاب من ناغورني قره باغ فرصة لإعادة تقييم العلاقات الإقليمية. يُعتبر هذا التركيز على بناء شراكات جديدة، بالتزامن مع المقاومة لبقاء النفوذ الروسي، طريقًا قد يسهل لأرمينيا تعزيز موقفها في المستقبل، ولكن ذلك يأتي مع مخاطر كبيرة قد تشمل عدم الاستقرار أو تصاعد التوترات مع أذربيجان.

في الختام، تجسد التطورات في أرمينيا وإقليم ناغورني قره باغ صراعًا معقدًا على النفوذ في منطقة الجنوب القوقازي. التغيرات السياسية والعسكرية قادرة على إعادة رسم ملامح العلاقات بين الدول الرئيسة في المنطقة. تعزيز التعاون الغربي، في ظل ضعف المساعي الروسية، يشكل تحديًا لموسكو ويعزز من المواقف الأرمينية. لكن، على الجانبين، تظل المخاطر مرتفعة مع إمكانية تجدد الاشتباكات، مما يتطلب حكمة سياسية واستراتيجية من مختلف الأطراف للحفاظ على السلام والاستقرار في القوقاز.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.