ما يحدث في شمال غزة هو نتيجة تصعيد عسكري خطير بدأ في 6 أكتوبر/تشرين الأول، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي عن مرحلة جديدة من الحرب. بدأ الجيش بإصدار أوامر إخلاء للسكان، مُرغمًا إياهم على التوجه نحو جنوب القطاع بهدف تقويض حركة حماس، ولكن العديد من السكان، الذين يقدر عددهم بنحو 200 ألف، رفضوا مغادرة منازلهم، محاولين هزيمة خطط الاحتلال من خلال البقاء. وقد استخدم الاحتلال عدة أساليب لإجبار المدنيين على مغادرة مناطقهم، بما في ذلك فرض حصار شامل، منع وصول الماء والطعام والدواء، حتى وصل الأمر إلى قطع إمدادات الوقود عن المستشفيات، مما أجبر الكثير من الأهالي على البحث عن أماكن أكثر أمانًا.

أوضاع النازحين كانت مأساوية، ويروي الفارون من شمال غزة مشاهدًا مرعبة لما تركوه وراءهم، حيث تشير التقارير إلى وجود جثث مرمية في الشوارع. وصف أحد السكان حالة الفوضى والعنف، حيث تصل الانفجارات بشكل مستمر من الدبابات والطائرات، مما يزيد من حالة الذعر بين السكان. الأمم المتحدة، على لسان المفوض العام للأونروا، وصفت الوضع بأنه “تفوق الوصف”، مؤكدًا على أن هدف الجيش الإسرائيلي ليس الإخلاء بل تهجير قسري للسكان. وتحدث عن محاصرة حوالي 100 ألف شخص في منطقة جباليا، محذرًا من عدم وصول أي مساعدات منذ ثلاثة أسابيع.

من بين الشهادات المؤلمة، تفيد المسعفة نفين الدواوسة التي شهدت قصف مركز إيواء تابع للأونروا في مخيم جباليا، بأن الهجوم جاء بشكل غير متوقع؛ مما أدى إلى سقوط شهداء من النازحين، بما في ذلك أطفال. هذا القصف أكد المخاوف بشأن استهداف مدنيين خلال العمليات العسكرية، وهو ما تتجنبه إسرائيل التعليق عليه.

إسرائيل، التي لا تفصح عن أهدافها أو خطة الجنرالات التي تسعى لتحويل شمال غزة إلى قاعدة عسكرية، تواصل عملياتها العسكرية دون انقطاع منذ أكثر من ثلاثة أسابيع. السكان المحليون يعتقدون أن هذه الأعمال تهدف إلى تهجيرهم وإجبارهم على الخروج من مناطقهم، وسط صمت دولي مُطبق. من المهم أن نفهم أن منطقة شمال غزة، رغم كونها صغيرة جدًا جغرافيًا، إلا أنها منطقة دالة، إذ انطلقت منها حركة حماس لإطلاق هجماتها.

محافظة شمال غزة تعتبر جزءًا صغيرًا من القطاع، وكان يسكنها نحو 270 ألف نسمة قبل الهجمات. تضم هذه المحافظة مناطق مثل بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، وهي مناطق غنية بالتاريخ الفلسطيني، وفي الوقت الحالي تعاني من دمار كبير نتيجة التصعيد العسكري المستمر. الصور الفضائية تشير إلى حجم التدمير الذي لحق بهذه المناطق، مما يبرز مدى قسوة الوضع الانساني والمأساوي الذي يعيشه الفلسطينيون هناك.

في نهاية المطاف، الوضع في شمال غزة يتطلب اهتمامًا دوليًا عاجلاً لنقل آلام السكان ومعاناتهم إلى الواجهة، وتأمين الاحتياجات الإنسانية وتوسيع قاعدة الحماية المدنية. إن ما يحدث هناك هو ليس مجرد أحداث عابرة، بل هو جزء من صراع تاريخي طويل يتطلب حلولًا جذرية لإحلال السلام الدائم، وإعادة بناء الأمل لشعوب عانت طويلًا من الحروب والصراعات.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.