أثارت تصريحات رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف حول استعداد طهران للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية اللبنانية، حيث اعتُبرت المبادرة تدخلاً مباشراً في الشؤون الداخلية للبنان. وقد استدعى هذا التصريح إجراءات دبلوماسية من قبل الحكومة اللبنانية للاستيضاح، حيث عبّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن استغرابه من موقف إيران وعَدَّه تدخلًا فاضحًا يهدف إلى تكريس وصاية غير مقبولة على البلاد. وفي خطوة دبلوماسية، وجه ميقاتي وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب لاستدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية للاحتجاج على هذا التصريح، مما يعكس رد فعل الحكومة اللبنانية القوي تجاه الموقف الإيراني.

بدوره، أشار الدكتور علي درويش، النائب السابق في الكتلة النيابية لرئيس الحكومة، إلى أن تصريح قاليباف يُعتبر شأناً لبنانياً بحتًا، خاصةً وأن القرار 1701 تم إصداره في 2006 ولم يُنفذ حتى اليوم، مؤكدًا على ضرورة استفسار وزير الخارجية اللبناني عن التصريح الإيراني. وأكد درويش أن أي تدخل مباشر في الشأن اللبناني يعد غير مقبول، وعبّر عن أمله في أن يتم إصدار بيان توضيحي بعد استفسار القائم بالأعمال الإيراني. كما شدد على ضرورة أن يُحافظ لبنان على سيادته واستقلاليته في إدارة شؤونه الداخلية، رغم التحديات التي تواجهه.

من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي اللبناني نقولا ناصيف أن “التدخل الإيراني الدبلوماسي” يُمثل إحدى أبرز نقاط الخلاف بين لبنان وإيران. وأشار إلى أن الوضع اليوم يبدو أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، خصوصًا بعد اللقاء المتوتر بين ميقاتي ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. واعتبر ناصيف أن الطلب الإيراني للعودة عن الاهتمام اللبناني بتطبيق القرار 1701 يعكس رغبة إيران في الحفاظ على تأثيرها في لبنان، محذرًا من أن تلك التوجهات قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على العلاقة بين الحكومتين اللبنانية والإيرانية.

وقد أضاف ناصيف أن رغبة إيران في استمرار المواجهة بين حزب الله وإسرائيل تعني أن الحرب قد تستمر، مما يُعقد المشهد اللبناني أكثر. وعندما تُعلن إيران عن استعدادها للتفاوض مع فرنسا بشأن تنفيذ القرار 1701، فهذا يعكس محاولة للظهور كمرجع أو وصي على الحكومة اللبنانية، متجاهلةً الشأن اللبناني. وفي هذا السياق، اعتبرت الحكومة اللبنانية أن مثل هذا التصرف يعد تعدياً على سيادتها، حيث يفترض أن تُناقش المسائل المتعلقة بالقرار 1701 بشكل مباشر بين لبنان وإسرائيل في الأمم المتحدة.

وفي رد على هذه الادعاءات، أطلق قاليباف بيانًا يُحاول فيه تصحيح ما تم نقله عنه في وسائل الإعلام. وأوضح أن تصريحاته كانت تدعم جهود لبنان ومقاومته، مشددًا على أن أي اتفاق سياسي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مواقف المقاومة. وأضفى قاليباف أن الموقف الإيراني ثابت في دعم الشعب اللبناني ضد العدوان الإسرائيلي، ويسعى إلى تكثيف الجهود لوضع حد للمجازر في لبنان وغزة، مُشيرًا إلى أن أي تعاون مع الجانب الأوروبي حول اتخاذ خطوات نحو وقف إطلاق النار يجب أن يحظى بتأييد الحكومة اللبنانية والمقاومة.

أوضح الناشط السياسي الإيراني عبد الرضا داوري أنه لفهم تصريحات قاليباف بشكل دقيق يجب أخذ جميع سياقاتها بعين الاعتبار، حيث أكد أن المواقف الإيرانية لا تعكس سعيًا لفرض وصاية على لبنان. عوضًا عن ذلك، كان هدف طهران هو دعم جهود لبنان ومساعدته في مواجهة تحدياته، مشيراً إلى أن الاستعداد للتفاوض مع فرنسا مرتبط بدورها التقليدي الداعم للبنان. ورغم الانتقادات، أكد داوري أن موقف إيران يدعو إلى الحفاظ على سيادة لبنان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، مُشيراً إلى أن تلقي التصريحات بشكل آخر يعد سوء فهم للسياسات الإيرانية الداعمة لحزب الله.

في النهاية، يبرز الوضع القائم بين لبنان وإيران توترات معقدة يمكن أن تؤثر على استقرار لبنان. فقد أصبحت تصريحات قاليباف كاشفة عن تباين الرؤى بين الحكومة اللبنانية وطهران، حيث تسعى الأخيرة لتوسيع نفوذها الإقليمي. ومن المرجح أن هذه التصريحات ستستمر في إحداث تصدعات في العلاقات الثنائية، مما يحتم على الحكومة اللبنانية تعزيز استراتيجياتها لتعزيز سيادتها والتأكيد على استقلالية قرارها في مواجهة الأزمات الحالية.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.