عودة العلاقات الهندية الأفغانية في الفترة الحالية تُمثل تحوّلًا مفاجئًا في السياسة الهندية، خصوصًا في ظل حكم حزب الشعب الهندي ذو الاتجاهات الأصولية الهندوسية، والذي يُعتبر على النقيض من حركة طالبان الأصولية الإسلامية. إلا أن التجربة أثبتت أن كلا الطرفين يمكن أن يتبنيا مواقف براغماتية تُملى عليهما المصلحة الوطنية. العلاقة بين الهند وأفغانستان تُعد ضرورة استراتيجية لكلا البلدين، حيث سعت نيودلهي لتعزيز هذه العلاقة منذ الاستقلال عام 1947 لأسباب جيوستراتيجية واقتصادية، رغم التغيرات في الأنظمة الحاكمة في كابل.
تاريخ العلاقة بين الهند وأفغانستان شهد توثيقًا ملحوظًا، خاصة مع توقيع “معاهدة الصداقة الهندية الأفغانية” في 1950، التي كانت دليلاً على جهود الهند لبناء علاقات مع جيرانها. وقد ظلت العلاقات متينة رغم التحولات السياسية، إلا أن الوضع تغير بعد سيطرة طالبان على كابل في أغسطس 2021، مما أدى إلى إنهاء نيودلهي وجودها الدبلوماسي في أفغانستان. ومع ذلك، خلال العام التالي، بدأت الهند تعيد تقييم موقفها، مما أفضى إلى إعادة فتح قنوات التواصل الدبلوماسي مع الحكومة الأفغانية الجديدة.
تصريحات الحكومة الأفغانية بعد اللقاءات مع الهند تدل على أن العلاقة الاقتصادية والتجارية تسير بشكل جيد، لكن هناك تحديات دبلوماسية لا تزال قائمة. اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الأفغاني مع وفد هندي في يونيو 2022 يعتبر بداية جديدة، حيث أبدت الهند استعدادها لاستئناف مشاريعها المعلقة وإعادة فتح سفارتها. لقد أعقب هذا اللقاء اتصالات سرية سابقة بعد توقيع اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة وطالبان في 2020، وهذا يدل على وجود قاعدة تواصلية رغم القطيعة الرسمية.
تحركات الهند نحو التعامل مع طالبان تُعتبر بمثابة اعتراف ضمني بالحركة، وتقبلًا لمستقبل التعامل معها في مجالات الأمن والاستراتيجية. هذا التحول ليس مرغوبًا به من قبل بعض حلفاء الهند السابقين، حيث يحذرون من تداعيات دعم طالبان على استقرار المنطقة. من جهة أخرى، الهند تواجه تهديدات من أعدائها، مما يدفعها نحو إنهاء حالة التردد في علاقتها مع طالبان خصوصًا في ظل ضغوط التمدد الصيني والنفوذ الباكستاني.
القضية الكشميرية تُشكل جانبًا آخر مهمًا في هذا الإطار، حيث يعتبر الوضع في أفغانستان مسارًا حيويًا بالنسبة للهند في مواجهة التحديات الأمنية التي قد تنجم عن الحركات الانفصالية. إن التقارب مع طالبان قد يساعد الهند في تقليل المخاطر المرتبطة بدعم الأخيرة لتلك الحركات. وتعهدت طالبان بعدم السماح بتهديد الهند من أراضيها، مما قد يعزز من العلاقات بين الطرفين في هذه النقطة الحيوية.
أخيرًا، الهند تُظهر رغبتها في إقامة شراكات اقتصادية مع أفغانستان، سواء من خلال المشاريع التنموية أو الاستثمارات. سد “سَلما” ومشاريع أخرى تشير إلى رغبة الهند في استئناف التعاون الفني والاقتصادي. علاقتها مع أفغانستان تُعتبر جزءًا من استراتيجيتها الكبرى لنمو اقتصادي مستدام وتوسيع نفوذها في المنطقة، بما يُعزز من مصالحها القومية في وجه التحديات المختلفة، بما في ذلك الموقف الأميركي والسيطرة الصينية في المنطقة.