لطالما كانت سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائمة على مواجهة التحديات النووية الإيرانية، حيث يعتبر أن وجود برنامج نووي في إيران يشكل خطرًا وجوديًا على دولة إسرائيل. منذ عام 1993 حين نشر مقالًا يحذر فيه من خطر هذا المشروع، تضخمت قناعته بأن التهديد الأكثر خطورة على وجود إسرائيل يقع في طهران وليس في الدول العربية. وخلال فترة حكمه، اتبع نتنياهو استراتيجية تتضمن حشد الدعم الدولي والإقليمي لفرض عقوبات على إيران. وفي حال فشلت هذه الجهود، فقد أبدى استعداده للاعتماد على القوة العسكرية لتقويض البرنامج النووي الإيراني.
تشكل السياسة الأمنية الإسرائيلية التقليدية محورًا رئيسيًا لضمان التفوق العسكري في المنطقة، حيث تعتمد على قوة الردع النووية. وقد اتبعت إسرائيل تاريخيًا سياسة قاسية تجاه البرامج النووية في دول الجوار، حيث دمرت مفاعلًا نوويًا في العراق عام 1981 وأيضًا في سوريا عام 2007. لكن نتنياهو واجه إدارة أوباما بسبب اتفاق “5+1” المبرم عام 2015، وعُرف بتحذيره من أي اتفاق لا يلزم إيران بالتخلي عن مشروعها النووي. مهدت هذه المواجهات لاحقًا لاقتناعه بجدوى الضغط على إدارة ترامب، مما أدى إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، لكن ذلك أعطى أيضًا لإيران الفرصة لتسريع برنامجها النووي.
أظهر السعي الإسرائيلي للتصدي للوجود الإيراني في المنطقة استراتيجية جديدة، حيث اكتسبت “حرب الظلال” شكلًا فعّالًا من خلال توجيه ضربات خفية لمصالح إيران. شملت تلك العمليات اغتيالات لعقول بارزة في الحرس الثوري الإيراني وتدمير بنى تحتية حيوية لمشروعها النووي. على الرغم من تلك المحاولات، لم تتمكن إسرائيل من إيقاف تطور البرنامج النووي الإيراني، بل تصاعدت ردود الفعل من طهران عبر هجمات على مصالح إسرائيلية، مما جعل الفكرة الإسرائيلية للتفوق العسكري موضع تساؤل.
مع عودة تصاعد التوترات بين الجانبين منذ أكتوبر 2023، زادت الرغبة الإسرائيلية في تفكيك المشروع النووي الإيراني. ومع ذلك، تأكدت التحديات الفنية والعسكرية بشكل أكبر من أي وقت مضى، حيث تبرز الحاجة إلى دعم الولايات المتحدة في تنشيط العمليات العسكرية ضد النووي الإيراني. طبيعة التدخلات الأمريكية المهمة تتطلب خططًا دقيقة، بالإضافة إلى تنسيق سياسي حذر مع الأمريكيين، مما قد يعيق التحركات العسكرية الإسرائيلية المستقلة.
التصعيد الأخير في الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل أدى إلى إدراك الأخيرة بأن الاتجاهات الشعبية والحماية المحتملة قد تتجه نحو استخدام النظام الدفاعي الأمريكي في المنطقة. الرد الإيراني على العمليات الإسرائيلية لم يكن مجرد استجابة بل استدعى تحولات جديدة في قاعدة الصراع. المخاوف الأمريكية من احتمال اندلاع نزاع إقليمي شائك عادت لتبرز كحاجز أمام طموحات إسرائيلية الهجومية، مع دعوات من بيدن للحذر من تكرار الأحداث التي قد تؤدي إلى تصعيد أكبر.
في نهاية المطاف، تظهر الظروف الراهنة أن آمال نتنياهو في توجيه ضربات فاعلة للمشروع النووي الإيراني تظل دون تحقيق على الرغم من التحولات المعقدة في المشهد السياسي والعسكري. فإن الوضع الإقليمي المتشابك والتوترات الدائمة في علاقات إيران وإسرائيل ليسا في مصلحة إدارة بايدن، التي تسعى لتجنب صراع يشمل الصواريخ الإيرانية. ومع ذلك، لإنجاز هذا الأمر قد تُحتمل الضغوط العسكرية، مما يجعل التحقيق في الرؤى الإسرائيلية ضبابيًا على الأقل في الفترة الحالية.