كانت عملية “طوفان الأقصى” والعدوان الإسرائيلي الذي تلاها على قطاع غزة نقطة تحول محورية أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد العالمي. فقد أدت هذه الأحداث إلى موجة من التعاطف غير المسبوق على مستوى العالم، حيث شاركت دول وشعوب من جميع القارات في إبداء تضامنها مع فلسطين، مما جعل المجتمع الدولي يلتفت مجددًا إلى الأبعاد الإنسانية والسياسية للصراع. في هذا السياق، لم تكن القارة الأفريقية استثناءً، بل شهدت تفاعلات واسعة على المستويين الرسمي والشعبي حيال هذه الأحداث. وقد عكس هذا التفاعل تحديات العلاقة المعقدة بين إسرائيل ودول القارة، خاصة مع محاولات تل أبيب لتعزيز نفوذها في أفريقيا.
جاءت الأحداث لتضيء على الموقف الأفريقي من القضية الفلسطينية، حيث تباينت ردود فعل الدول الأفريقية. بعض الدول أظهرت دعمًا صريحًا للمطالب الفلسطينية، بينما اتخذت أخرى موقفًا معارضًا ودعمت إسرائيل. كان للسنغال دور بارز في التأكيد على موقفها الداعم لفلسطين، حيث نظمت مؤتمرًا لدول غرب أفريقيا للتأكيد على هذا الدعم. هذا التغير في الموقف السنغالي يعكس تغيرًا جذريًا بسبب صعود حزب “الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة”، الذي يعتمد في حملته على رفض الهيمنة الغربية، مما يعكس التباين بين مواقف الحكومات ورغبات الشعوب الأفريقية. ومن جهتها، أدانت تشاد العمليات العسكرية الإسرائيلية، وهو ما يتماشى مع الموقف المتصاعد في القارة.
تظهر أزمة فلسطين أيضًا انقسامًا بين الدول الأفريقية، حيث دعمت مجموعة من الدول كغانا والكاميرون وتوغو الاحتلال الإسرائيلي. يعكس هذا الدعم التحولات في العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، كما أن إسرائيل قد نجحت في بناء علاقات استراتيجية مع العديد من الدول الأفريقية، مما ساهم في تعزيز موقفها هناك. ولقد كان لإسرائيل تاريخ طويل من الشراكات، حيث دعم رئيس الكاميرون سلطاته ودعا الدول الأفريقية إلى استئناف العلاقات مع تل أبيب، مما يعكس الروابط القوية التي شكلتها إسرائيل في القارة.
في المقابل، تبنت مجموعة أخرى من الدول الأفريقية موقفًا محايدًا، حيث اتخذت دول مثل نيجيريا وأوغندا مقدرات سياسية تحاول التوازن بين علاقاتها مع إسرائيل والمبادئ الأفريقية التقليدية. سعت هذه الدول إلى تجنب التصعيد في العلاقات مع تل أبيب، مستندة إلى رغبتها في الحفاظ على توازن في المواقف من جهة، والالتزام بقيمها الثقافية من جهة أخرى. وهذا يتضح من خلال الدعوات لإنهاء العنف والتوصل إلى حل الدولتين، مثلما دعا رئيس أوغندا، مما يشير إلى محاولة لاستيعاب تداعيات الأحداث.
مع استمرار العدوان على غزة، أظهرت الشعوب الأفريقية دعمًا كبيرًا للقضية الفلسطينية، حيث شهدت العديد من البلدان مظاهرات حاشدة. شارك مواطنون في مختلف الفعاليات لدعم الشعب الفلسطيني والدعوة إلى وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية. وكانت الاحتجاجات في دول مثل جنوب أفريقيا وكينيا والسنغال دليلاً على الاكتساب الجماهيري الواسع للقضية الفلسطينية، حيث عبرت الشعوب عن موقفها الرافض للاحتلال ودعت إلى محاسبة المتورطين في الجرائم ضد الفلسطينيين.
على المستوى المؤسسي، أبدى الاتحاد الأفريقي برئاسة موسى فكي محمد تفاعلاً سريعًا مع الأحداث، حيث أصدر بيانًا يدعو إلى إنهاء الصراع ويشدد على حقوق الفلسطينيين. عكست التصريحات الرسمية الدعوة إلى ضرورة توفير الدعم الدولي لتحقيق السلام، وقد برزت هذه المواقف أيضًا في القمة الأفريقية الـ37 التي شهدت طرد الوفد الإسرائيلي، مما يعكس وحدة الموقف الأفريقي تجاه القضية الفلسطينية. وقد شكلت هذه الخطوات جزءًا من عمل أفريقيا الجماعي لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقوانين الدولية، وهو ما يعكس التحولات الإيجابية تجاه قضية الشعب الفلسطيني.
ختامًا، ورغم التباين في المواقف الرسمية، فإن الرأي العام في معظم دول القارة يميل نحو دعم حقوق الشعب الفلسطيني، كما فعلت الشعوب الأفريقية عبر المظاهرات والاحتجاجات. إن تأكيد الموقف الأفريقي من خلال النقاشات السياسية الشعبية والبيانات الرسمية يشير إلى تغييرات استراتيجية تبرز حقوق الفلسطينيين وضرورة تحقيق سلام عادل، وهو ما يعكس تفهمًا عميقًا لتاريخ ونضال الشعب الفلسطيني، ولمكانته في القضايا الإنسانية العالمية.