شهدت سوريا مؤخراً حركة نزوح عكسية نحو الداخل، وذلك في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، الذي دفع مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى العودة هرباً من الموت. غير نهائي، وصل عدد العائدين إلى 239 ألف سوري، بالإضافة إلى 91 ألف لبناني، وفقاً لبيانات متزايدة. توزع 235 ألفاً من هؤلاء السوريين في مناطق سيطرة النظام في دمشق، حمص، حماة، وطرطوس، بينما انتقل حوالي 4 آلاف آخرون إلى ريف إدلب الشمالي. ولكن هذه العودة لم تكن سهلة، إذ تعاني المناطق التي وصلوا إليها من ضعف شديد في الخدمات، مما يجعل أغلبهم يعيش مع أقرباء أو في مخيمات نزوح دون دعم كافٍ.
تُحدث أم محمد، سيدة سورية، عن تجربتها بعد رحلة نزوح دامت لأكثر من عشر سنوات. بدأت هجرتها من حي التضامن بدمشق عام 2012، مروراً بمعرة النعمان ثم لبنان. وعانت أم محمد في الأيام الأخيرة من العدوان، حيث شهدت مقتل شابين أمام عينيها في مدينة صور ليلة استهداف حسن نصر الله. واصلت أسرتها الهرب تحت القصف، في ظروف قاسية من التعب والجوع. بعد مغادرتها للبنان عبر معبر المصنع معتمدة على مشي الأقدام، تعرضت مجدداً للقصف على المعبر، ما زاد من معاناة عائلتها.
تستذكر الطفلة ماسا، ذات العشر سنوات، المشاهد المرعبة التي عاشتها خلال محاولتها للهروب من الصواريخ التي تتساقط في منطقتها، موضحة شعورها بالخوف والارتباك. أما أبو محمد، فقد واجه تحديات صحية وعائلية أثناء فراره من الحرب، حيث كان وضعه الصحي يمنعه من المشي، مما زاد من مخاوفه على عائلته. في حديثه، أشار إلى كيف أن العائلة برمتها كانت عرضة للخطر بسبب عدم قدرته على السير، ورفض أولاده التخلي عنه.
بعد محنة طويلة من النزوح، وصلت عائلة أبو محمد إلى السفارة الكويتية، حيث مكثوا بانتظار تأمين رحلة إلى سوريا. ومع أن رحلة العبور إلى سوريا قد تمت، إلا أن معاناتهم لم تنته عند هذا الحد، إذ واجهوا صعوبات جمة في الانتقال بالداخل السوري. تذمر أبو محمد من الظروف المعيشية الصعبة التي عانوا منها، مثل انتظار طويل في درجات حرارة مرتفعة، وما ترتب عليه من فقدان للأكل والماء.
تتوزع العائلات النازحة اليوم بين مناطق مختلفة داخل سوريا، وهو ما يمثل عبئاً إضافياً على المنظمات الإنسانية. اجتمع النازحون في مناطق محددة مثل حلب ومنبج، وشهدت هذه التجمعات فوضى وعوز شديدين. حذر محمد حلاج، مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، من أن الوضع قد يتفاقم، مما يتطلب استجابة سريعة من وكلات الإغاثة لمواجهة هذه الأزمة المتزايدة.
إن هذه الحالة الإنسانية المعقدة تعكس التحديات الكبيرة التي تواجه السكان النازحين في سوريا، إذ يحتاج العديد منهم إلى الدعم العاجل في مجال المأوى والغذاء والرعاية الصحية. إن الوضع الحالي يستدعي تحركاً عاجلاً من الهيئات الإنسانية لتقديم الخدمات الضرورية للنازحين وضمان عدم تفاقم الأزمة مع بدء فصل الشتاء.