تعتبر منطقة القرن الأفريقي، التي تضم الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا، واحدة من أكثر المناطق الاضطراب في العالم، حيث تعاني من التوترات المستمرة والحروب الأهلية والنزاعات الحدودية. وفقًا لمجلة “إيكونوميست” البريطانية، فقد شهدت المنطقة صراعات تاريخية مثل الحرب بين إثيوبيا وإريتريا، بالإضافة إلى الحرب الأهلية في إثيوبيا، وتمرد حركة الشباب في الصومال. كما أن هناك تدخلات خارجية تسعى لكسب النفوذ في هذه المنطقة الغنية بالموارد. يستدعي الوضع الحالي فيها مزيدًا من القلق نظرًا لتفاقم النزاعات وتأجيج الخصومات الإقليمية.
في سياق الصراعات المستمرة، شهدت العلاقات بين إثيوبيا والصومال توترًا كبيرًا بعد توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع “أرض الصومال”، وهي منطقة تتمتع بحكم ذاتي لكن لم يتم الاعتراف بها دوليًا. التحرك الإثيوبي لاستغلال ميناء بربرة في أرض الصومال أثر سلبًا على العلاقات مع الصومال وإريتريا، وجذب القوى الإقليمية الأخرى مثل مصر وتركيا والإمارات. وقد اعتبرت الحكومة الصومالية تلك الخطوة خرقًا لسيادتها، مما زاد من حدة التوتر بين البلدين.
رغم الدعم الإقليمي والدولي لموقف الصومال، شعرت بعض القيادات الصومالية بالقلق من سلوك القيادة الإثيوبية وقدرتها على الاستجابة لتحديات المنطقة. في البداية، أعربت العديد من الدول عن دعمها لسيادة الصومال، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعرضت تركيا مساعدتها العسكرية للدفاع عن الصومال. ومع ذلك، استمرت الضغوط السياسية على الحكومة الصومالية، مما أدى إلى تحركات تصعيدية من جانب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لتهديد بإخراج قوات حفظ السلام الإثيوبية من البلاد.
تحمل الشراكات العسكرية الجديدة خطر تصعيد النزاع، حيث وقعت الصومال اتفاقية مع مصر لتعزيز التعاون العسكري. تأتي هذه الخطوة في إطار العلاقة المتوترة بين إثيوبيا ومصر بسبب مشروع سد النهضة، مما يزيد من حدّة الوضع الجيوسياسي في المنطقة. على الرغم من هذا، فإن هناك أعمدة من التحالفات تتشكل في المنطقة، حيث يتزايد التنسيق بين إريتريا ومصر والصومال، مما يخلق مشهدًا معقدًا من التحالفات المتنافسة.
يتوقع المراقبون أن يؤدي الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال إلى زيادة العزلة الاستراتيجية لإثيوبيا، حيث يمكن أن تساهم التحالفات الثلاثية مع إريتريا ومصر والصومال في تعزيز القوة النسبية لها. هذا من شأنه أن يعيد تشكيل الديناميات السياسية والاقتصادية في القرن الأفريقي، ويؤدي إلى انقسام المنطقة إلى كتلتين جيوسياسيتين. كما أن هناك علامات على وجود انقسامات داخل الصومال بين القوى السياسية التي قد تبحث عن دعم إثيوبي لوقف تصاعد نفوذ الرئيس الصومالي.
على الرغم من التصعيد الحالي والصراعات بين الدول، إلا أن خطر نشوب حرب مباشرة بين إثيوبيا والصومال يظل منخفضًا في الوقت الراهن. ولكن يستمر القلق من إمكانية تفاقم الأوضاع واستمرار حالة عدم الاستقرار، بينما تسعى القوى الإقليمية والدولية إلى تعديل موازين القوى وفق مصالحها. هذه الديناميات المعقدة قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل القرن الأفريقي وتؤدي إلى تغيير عام في أسلوب التعامل مع النزاعات في المنطقة.