تاريخ المواجهات بين حزب الله وإسرائيل يمتد لعقود طويلة، بدأ منذ عملية “الليطاني” في مارس/آذار 1978، مرورًا باجتياح لبنان عام 1982، ثم حرب “تصفية الحساب” في يوليو/تموز 1993، و”عناقيد الغضب” في أبريل/نيسان 1996، وصولًا إلى حرب يوليو/تموز 2006. هذه المواجهات تأخذ منحى جديد حاليًا، حيث شهدت الحدود اللبنانية الجنوبية تصعيدًا عسكريًا مع تطورات الوضع في قطاع غزة، مستمرة منذ أسبوعين. آخر حروب الجانبين كانت في 2006، حين أسر حزب الله جنديين إسرائيليين، مما دفع تل أبيب لبدء جولة من المفاوضات. استمرت الحرب 34 يومًا، أدت إلى تدمير واسع النطاق في مناطق مختلفة من لبنان وذهب ضحيتها حوالي 1300 لبناني.
اندلعت المواجهات العسكرية الأخيرة بعد هجوم حركة حماس “طوفان الأقصى” على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي شمل تنسيقًا عسكريًا متنوعًا. تبع ذلك رد فعل من حزب الله في 8 أكتوبر بطلقات نارية على مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا، مما أتاح لحزب الله فرصة لفتح جبهة جديدة بمعاودة استهداف المواقع الإسرائيلية. ومع تطور الوضع، انتقل الصراع من مستويات استهداف محدودة إلى مواجهات مفتوحة تهدف إلى تعميق الصراع وفرض استراتيجيات جديدة.
الباحث والمحلل السياسي علي أحمد يرى أن حزب الله بدأ حاليًا من موقع قوي مقارنةً بحرب 2006، حيث زادت قدراته بشكل كبير، خاصة في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة. تشكل عدد المقاتلين الذين يُقدر بزيادة كبيرة عن 2006 أحد العوامل الأساسية في المعادلة، مع اعتبار هذا العدد الكبير عاملاً حاسمًا في المنازعات العسكرية. كما أن التطور في القدرات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي للمقاومة الإسرائيلية يزيد من تعقيد الصراع.
التحليل الثاني من الباحث علي مطر يشير إلى تغييرات جذرية في استراتيجيات الحرب، إذ يُلاحظ أن التعامل الإسرائيلي الآن مختلف تمامًا عن التعامل في 2006، حيث تزايدت عمليات القصف على البقاع وبعلبك، بالإضافة إلى استهداف مناطق لم يكن يُلحظ فيها استهداف في السابق مثل الضاحية الجنوبية. يعكس هذا التغيير في استراتيجيات الحرب الشعور المتزايد بالخطر لدى إسرائيل من قدرة حزب الله. بينما تمثل التحولات في المعدات العسكرية تكتيكًا جديدًا للقضاء على عناصر حزب الله، فإن الحزب أيضًا أصبح قادرًا على الوصول إلى أهداف جديدة داخل الأراضي المحتلة.
على صعيد التحالفات السياسية في لبنان، يشير أحمد إلى أن الوضع الحالي أفضل من ناحية الدعم لحزب الله مقارنةً بأيام حرب 2006، حيث لم يكن لديه سوى تحالفات محدودة مع جبهات معروفة. ومع التصعيد الحالي، بدأ الشارع اللبناني، خاصةً السنّي والدرزي، في النظر إلى ما يحدث كتضامن مع القضية الفلسطينية. في الوقت نفسه، تتواجد بعض الاختلافات بين التيارات السياسية في المجتمع اللبناني، حيث يميل التيار الوطني الحر ليكون أكثر دعمًا ومتعاطفًا مع النازحين، على عكس ما كان عليه الوضع سابقًا.
مطر أيضًا يؤكد على التغيرات في التحالفات الداخلية منذ 2006، مشيرًا إلى دعم الطائفة السنية للقضية، ووجود تأييد من المسيحيين. يُلاحظ أن الوضع الحالي يشهد انقسامًا في الآراء حول دعم حزب الله، وكما كان الوضع سابقًا هناك جزء من القوى السياسية تفضل عدم الانخراط في هذه المواجهات. يتضح أن المشهد السياسي اللبناني يعكس تحولات وتحالفات متغيرة مرتبطة بالتطورات الإقليمية والأمنية، ما يعلي من تعقيدات الصراع الذي يواجه البلاد.
بهذا، يبقى التاريخ العسكري والسياسي بين حزب الله وإسرائيل مليئًا بالتحديات والتغيرات المستمرة، حيث يتطلب الأمر فهمًا عميقًا للأبعاد الإقليمية والمحلية في ظل تصاعد عمليات الصراع المختلفة، التي تتأثر بالتحالفات الداخلية والدعم الإقليمي.