في ظل الأوضاع الحرب الحالية في قطاع غزة، تشير الحقيقة المؤلمة إلى معاناة العديد من العائلات. نزار المسلمي، البالغ من العمر 65 عامًا، أحد هؤلاء الذين تأثروا بشدة. بدأ نازحًا مع عائلته من شمال القطاع إلى جنوبيه، لكنه وقع ضحية لانتكاسة صحية حادة، إذ أصبح في غيبوبة تامة بعد أن كان يتمتع بصحة جيدة. عائلته، المؤلفة من تسعة أفراد، اضطرت للنزوح مرارًا لنحو مدينة رفح الجنوبية، حيث واجهوا تحديات عديدة تجسد الألم والمعاناة الناتجة عن الوضع الراهن.
ابن نزار، محمد، يروي القصة المأساوية لعائلته، مشيرًا إلى أن والده لم يكن يعاني من أي أمراض مزمنة قبل الأزمة. ولكن بعد فترة قصيرة من نزوحهم الأخير، عانى نزار من آلام غير معروفة فُسرت لاحقًا على أنها سرطان في الدماغ. خضع لعملية استئصال، ومع ذلك، تدهورت حالته بعد ذلك بفعل ظروف الحرب وقسوة النزوح. فقدوا عينة الورم التي كان من المقرر فحصها، مما زاد من تعقيد موقف الأسرة وساهم في تدهور صحة والدهم.
وعلى الرغم من الشعور بتحسن مؤقت بعد العملية، إلا أن الحالة الصحية لنزار توقفت عن التحسن بعد انتقالهم إلى خيمة بسيطة. وبسبب رفض المستشفيات في غزة استقباله مرة أخرى بسبب تراجع قدرته على التنفس، يتم الآن الاعتماد على أجهزة التنفس الصناعي. ومع عدم توفر العلاج المناسب بسبب القيود المفروضة على المعابر، تبدو آمال الأسرة في حصوله على تحويلة طبية للعلاج بالخارج ضئيلة، مما يؤكد مدى صعوبة وضعهم الصحي والمعيشي.
وفي هذا السياق، تظهر حالة سناء أبو العيش (58 عامًا) كمثال آخر على الكارثة. بعد أن فقدت زوجها وأحد أبنائها، تعاني سناء من سرطان الثدي وتواجه معاناة النزوح والتشرد بشكل متكرر. ونتيجة للظروف القاسية، تدهورت حالتها الصحية ونتج عن ذلك مضاعفات جديدة مثل حصوة في الكلى، وكذلك ظهور ورم جديد. وللأسف، يستمر الإغلاق وصعوبة الحصول على العلاجات، مما يدفع عائلتها إلى اليأس من وجود أمل في العلاج.
تشير القوات الإسرائيلية إلى تأثير مباشر على المنشآت الطبية، إذ خرج مستشفى الصداقة الوحيد المتخصص في علاج السرطان عن الخدمة بسبب الاستهداف. ويؤكد المدير العام للمستشفى، الدكتور صبحي سكيك، أنه منذ بداية الحرب، تفاقمت معاناة مرضى السرطان الذين لم يتمكنوا من تلقي الرعاية الصحية اللازمة. وحسب التقديرات، من المتوقع تسجيل ما بين 2000 إلى 2500 حالة جديدة من السرطان نتيجة للحرب، مما يضيف عبئًا صحيًا جديدًا على النظام الصحي المتهالك في القطاع.
الوضع في غزة يتطلب تدخلًا إنسانيًا عاجلاً لتحسين ظروف المرضى. فقد وصف الدكتور سكيك الوضع بـ “الکارثي” في ظل نقص الأدوية ومرور الأوقات الصعبة على المرضى. ولا يوجد سوى مكانين لتوفير أدوية السرطان بشكل محدود، بينما يكون الفقر ونقص الدعم أبرز تحديات المرضى. بالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلة توفر مياه الشرب والغذاء الصحي، مما يزيد من تعقيد وضع المرضى ويزيد من معاناتهم.
الواقع الذي يعيشه هؤلاء المرضى يعطي صورة قاتمة عن الوضع في غزة. الحالة الصحية السيئة للنزحين، النزاعات المستمرة، وصعوبة الحصول على العلاج تظهر الأبعاد الإنسانية المأساوية للأزمة. وبينما ينتظر الكثيرون الأمل في العلاج، يبقى السؤال قائمًا: كيف يمكن أن تُعالج مظاهر المعاناة الإنسانية في ظل محيط يُعاني من الحرب؟