تاريخ لبنان الحديث يتسم بمعاناة مستمرة نتيجة النزاعات الإقليمية وتأثير الاحتلال. في 24 سبتمبر 2024، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية عن ارتفاع عدد الشهداء نتيجة الهجوم الإسرائيلي إلى 558 قتيلاً، بالإضافة إلى 1835 جريحاً. في ذات اليوم، أثارت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية الجدل من خلال نشر مقال رأي يصف لبنان بأنه جزء من “أرض إسرائيل الموعودة”. على الرغم من إزالة المقال فيما بعد، تعكس هذه الحادثة التوترات الكبيرة والمخاوف المحيطة بالمواقف الإسرائيلية تجاه لبنان.
المقال الذي كتبته “جيروزاليم بوست” استند إلى تفسيرات توراتية كانت تهدف إلى دعم فكرة أن لبنان يقع دينيًا داخل حدود إسرائيل. وقد أشار كاتب المقال، مارك فيش، إلى أن فكرة “إسرائيل الكبرى” تكتسب زخماً متزايداً في النقاشات السياسية والدينية داخل إسرائيل. تعكس هذه الرؤية تأصيلًا دينيًا لمصير الأراضي في المنطقة، حيث يتم تصوير الصراع على أنه نتيجة لنزاع تاريخي طويل حول الحدود الإلهية التي تتجاوز الجغرافيا السياسية الحالية.
أصوات دينية وشخصيات سياسية إسرائيلية بدأت تعبر عن تطلعاتها نحو الاستيلاء على أراضي عربية أخرى، وليس فقط فلسطين. تجلى ذلك في تصريحات شخصيات بارزة في الحكومة الإسرائيلية، مثل أعضاء حزب “الليكود” واليمين المتطرف، الذين يرون في النزاع العسكري الحالي فرصة لتعزيز وجودهم في الأراضي العربية. هذا التفكير يعكس توجهاً شاملاً في المجتمع الإسرائيلي يدعو إلى التوسع الإقليمي استنادًا إلى معتقدات دينية، حيث يربط البعض بين الصراعات الحالية ونبوءات تتعلق بعودة المسيح.
التاريخ يعكس أن الطموحات الإسرائيلية في الاستيلاء على لبنان ليست جديدة بل تعود لعقود. في عام 1982، خلال الغزو الإسرائيلي للبنان، ظهرت هذه الأفكار بشكل واضح، حيث كانت هناك دعوات للاستيلاء على لبنان بالكامل كجزء من خطط التوسع الإسرائيلية. بينما زعم البعض أن مشاريع الاحتلال تستند إلى الوعود الإلهية، فإن العواقب كانت دموية؛ حيث استهدفت القوات الإسرائيلية المناطق المدنية، ما أسفر عن مقتل وجرح آلاف اللبنانيين.
اليوم، بات واضحًا أن الخيال الديني المتطرف بات يكتسب شرعية واسعة في الأوساط السياسية الإسرائيلية. تصاعد التوجه الإسلامي اليميني واعتناق البعض لفكرة “القدس عاصمة أبدية لإسرائيل” يفتح الأبواب لطموحات توسعية غير معترف بها دوليًا. إن الأفكار المتشابهة تعزز صورًا سلبية لمستقبل العلاقات الإسرائيلية-اللبنانية وتؤدي لتصعيد النزاعات العسكرية، مما يزيد من معاناة الشعب اللبناني.
في النهاية، يبدو أن صراعات الأراضي في الشرق الأوسط ستظل معقدة، خاصة في ظل تصاعد الأيديولوجيات الدينية والسياسية المتطرفة، التي تحاول إعادة صياغة الواقع بناء على تأويلات دينية وتحقيق أحلام توسعية. مع تزايد النشوة الدينية في إسرائيل، يبدو أن الأفق يزداد قتامة بالنسبة للسلام في المنطقة، حيث يستمر صراع الهوية والسيادة في بالتحول إلى صراع بين العقائد والمصالح السياسية.